القول الثالث : اختاره قاضي القضاة أنه إذا كان على ثقة جاز أن يتمنى الموت ؛ لأن من أيقن أنه من أهل الجنة اشتاق إليها ، وتمنى سرعة الوصول إلى النعيم ، والتخلص من دار الشوائب ، وهذا كلام الزمخشري ، قال : كما روي عن المبشرين بالجنة ، وعن علي عليهالسلام : «أنه كان يطوف بين الصفين في غلالة (١) ، قال له الحسن عليهالسلام : ما هذا بزي المحاربين؟ فقال : يا بني لا يبالي أبوك على الموت سقط ، أم سقط عليه الموت» (٢).
وعن حذيفة (٣) أنه كان يتمنى الموت ، فلما احتضر قال : «حبيب جاء على فاقة ، لا أفلح من ندم» يعني : على التمني. ونحوه عن معاذ (٤) لما نزل الطاعون
__________________
(١) الغلالة : هي الرقيق من اللباس.
(٢) ليس هنا تمني للموت فيؤخذ منه الحكم ، وله عليهالسلام في نهج البلاغة كلام معروف. (ح / ص).
(٣) حذيفة هو : حذيفة بن اليمان ، العبسي ـ بالموحدة من تحت ـ الأنصاري ، حليفهم ، أصله من اليمن ، أسلم رضي الله عنه هو وأبوه ، وهاجرا ، وشهدا أحدا ، وقتل والده بأيدي المسلمين غلطا ، فصاح حذيفة : يا مسلمون أبي ، فلما قتل ، قال : غفر الله لكم ، ووهبت دمه ، وأسلمت أمه وهاجرت وكان أحد النجباء ، وأحد الفقهاء أهل الفتوى ، وصاحب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في المنافقين ، والمختص بأخبار الفتن ، وسئل علي عليهالسلام عنه ، فقال : أسر إليه علم المنافقين ، وله مقامات محمودة في الجهاد أعظمها ليلة الأحزاب ، وخبره فيها مشهور ، وافتتح مدنا ، توفي رحمهالله تعالى سنة ٣٦ ه عند خروج أمير المؤمنين علي عليهالسلام لحرب الجمل ، وكان يحث على اللحاق ، ويقول : الحقوا بأمير المؤمنين ، وسيد المسلمين ، وكان وفاته بالمدائن.
(٤) معاذ بن جبل بن عمرو الأنصاري ، الخزرجي ، السلمي ، المدني ، كان من أعيان الصحابة ، وأفرادهم ، وإليه المنتهى في العلم والفتوى ، والحفظ للقرآن ، قال ابن مسعود : كنا نشبهه بإبراهيم (أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً) ، أسلم وهو ابن ثماني عشرة ، وشهد العقبة الأخيرة وبدرا ، وما بعدها ، وبعثه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى اليمن وأبا موسى يعلمان الناس ، وقال له صلىاللهعليهوآلهوسلم : والله يا معاذ إني لأحبك ، وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم (أعلمهم بالحلال ـ