وبقول الفرزدق :
أنا الذائد الحامي الذمار وإنما |
|
يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي |
ولو لم تحمل على الحصر لم يحصل مقصود الشاعر ؛ ولأن كلمة «إن» تقتضي إثبات المذكور ، وكلمة «ما» تقتضي نفي غير المذكور ، وهذا هو الحصر ، وخالف بعض أصحاب أبي حنيفة ، واحتج بقوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) وأجيب بأنها محمولة على المبالغة (١).
وهذه الآية يتعلق بها أحكام :
الأول : يتعلق بتحريم الميتة ، وقد قال علماؤنا رضي الله عنهم (٢) : إن هذه الآية تقضي بتحريم أكل الميتة ، وبنجاستها ، وبتحريم الانتفاع بها.
وبيان الاستدلال : أن قالوا : التحريم يقتضي جميع أفعالنا المتعلقة بالميتة.
وما حرم استعماله على كل وجه وجب تنجيسه ، فجعلوا الآية عامة في الانتفاع.
واعلم أن في هذه نكتة أصولية توضح كيفية إدراك المراد في التحريم المتعلق بالأعيان ، نحو قوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) [المائدة : ٣] وقوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) [النساء : ٢٣] وما أشبه ذلك ، وقد قال الشيخ أبو عبد الله البصري ، والشيخ أبو الحسن الكرخي : إن مثل هذا مجمل لا يصح التعلق به ؛ لأن التحريم لا يصح أن يتعلق بالعين ؛
__________________
(١) وفي النيسابوري (فكلمة إنما متروكة العمل بظاهرها ـ والله أعلم ـ النهي بعد أن قال : إن في الشرع أشياء أخر محرمات ، وقد يقال : هذا قصر قلب ، لقلب ما عند المخاطب ؛ لأنه رد عليهم فيما اعتقدوه من تحريم السائبة ونحوها ، فلا حصر حينئذ. والله أعلم. (ح / ص).
(٢) في أ (رحمهمالله تعالى).