الوجه الثاني : ذكره الإمام جار الله رضي الله عنه : وهو أن اسم الميتة في قوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) يراد به ما يتفاهمه الناس ، ويتعارفونه في العادة ، والفهم لا يسبق إلى السمك والجراد ، كما أن الدم إذا أطلق لم يسبق الفهم إلى دخول الكبد والطحال ، وكما ذكروا أن من حلف لا آكل لحما ، فإنه لا يحنث بلحم السمك مع قوله تعالى : (لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا) [النحل : ١٤] وكمن حلف لا أركب دابة لم يحنث بركوب كافر (١) ، مع قوله تعالى : (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُوا) [الأنفال : ٥٥].
تنبيه ثالث
يقال : ميتة الحيوان الذي لا يعيش إلا في الماء ، وهو غير مأكول ، ما حكمه في التنجيس؟ قلنا : ظاهر مذهب الهادي عليهالسلام وغيره أنه نجس ، لدخوله في اسم الميتة ، فلزمه حكمها ، وقال الناصر ، وأبو حنيفة : إنه طاهر ؛ لأنه مخصوص بقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم في البحر : (هو الطهور ماؤه والحل ميتته) (٢) ولم يفصل فخرج الأكل بدليل ، وبقيت الطهارة ، قالوا : ولا يلزم طير الماء ؛ لأنه يعيش في غير الماء ، وإن كان يعيش في الماء.
تنبيه رابع
وهو أن يقال : جلد الميتة جزء من الميتة ، ولو دبغ ، فمن أين نشأ الخلاف في المدبوغ؟ قلنا : أما من قضى بنجاسته ، وذلك مذهب عامة
__________________
(١) وقد اعترض على هذا الوجه في النيسابوري ، وضعفه.
(٢) أخرجه الترمذي ١ / ٤٧ رقم ٦٩ وقال : حسن صحيح ، وأبو داود ١ / ٢١ رقم ٨٣ ، وابن ماجه ١ / ١٣٦ ، ومالك في الموطأ ١ / ٢٢ ، وأحمد.