النفس لوقاية الغير ، وقد ذكر المؤيد بالله في الزيادات أن رجلين لو خافا الهلاك من العطش ، وكان مع أحدهما ماء ، فإن له أن يؤثر صاحبه وإن هلك ، وكذا يقاتل عن غيره وإن علم أنه يقتل ، ويسلم الذي دافع عنه ، ويحسن ذلك طلبا لثواب الله تعالى ، ولم يشترط أن يكون في ذلك إعزاز للدين.
وهاهنا بحث : وهو أن يقال : كيف التوفيق بين دلالة هذه الآية في جواز بذل النفس ابتغاء لمرضاة الله ، وبين دلالة قوله تعالى : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [البقرة : ١٩٥]؟.
وجوابه : أن قوله تعالى : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) عام ، وهذه الآية مخصصة لذلك العموم ، وقد تقدم كلام الحاكم (١).
وقوله تعالى في سورة النساء : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) [النساء : ٢٩] وقد فسر ذلك بوجوه ، إما أنه أراد بأن (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ؛ لأنه عقب قتل النفس بذلك.
وإما أنه أراد قتل النفس حقيقة لغرض باطل.
وإما أنه أراد قتل الغير ؛ لأنه يؤدي إلى قتل نفسه قصاصا.
وإما أنه أراد قتل الغير من المسلمين ؛ لأن المسلمين كالنفس الواحدة.
وتأول عمرو بن العاص الآية على أن المراد أنه يتيمم لخشية الهلاك من البرد.
لأن في الحديث قال في سنن أبي داود ، عن عمرو بن العاص قال :
__________________
(١) حيث قال : تجوز الهزيمة في الجهاد إذا خاف على النفس. (ح / ص).