وقال ابن عباس ، والحسن ، ومجاهد : إنها ناسخة لآية البقرة ، وقواه القاضي ، قال : لأن تأخير البيان لا يجوز عن وقت الخطاب.
قال الأولون : لا يصح النسخ مع إمكان التأويل ، وتأويل آية المائدة : أنه تعالى أراد بأهل الكتاب الذين آمنوا ، فسماهم باسم ما كانوا عليه ، وهذا كما قال تعالى في سورة آل عمران : (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ) [آل عمران : ١١٣] وقال تعالى في سورة آل عمران : (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلَّهِ) [آل عمران : ١٩٩].
ووجه تخصيصهم أن كثيرا من المسلمين كانوا يعافون ذلك ، ويرونه نقيصة ، فبين تعالى أن ذلك مباح ، أعني طعامهم ومناكحتهم ، ويرشد إلى التأويل قوله تعالى في سورة الممتحنة : (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) [الممتحنة : ١٠] وبين الزوجين اعتصام الرجل بالزوجية ، والامرأة بالنفقة.
وقوله تعالى في سورة النور : (الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) [النور : ٢٦] وقوله تعالى في سورة النساء : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ) [النساء : ٢٥] فشرط تعالى الإيمان في إباحة نكاح الحرائر والإماء ، قالوا : ويرجّح تأويلنا بالقياس ، وذلك أن كفر الزوجة لو طرأ على النكاح لأبطله (١) ، فكذا مقارنته تمنع من الصحة كالرضاع.
ويرجّح الجواز بقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم في المجوس «سنوا بهم سنة أهل الكتاب ، غير آكلي ذبائحهم ، ولا ناكحي نسائهم» وبفعل الصحابة.
__________________
(١) يمكن أن يقال عليه : المرتد ليس بكتابي ، وأيضا فقد جعلوا للطرو حكما. (ح / ص).