الكمالية المشتملة عليها ذلك الشخص المجتمع فيه شرائط الخلافة والولاية بسبب قربه من مشكاة النبوة ، وأخذ العلوم الحقيقية والكمالات النفسية منها ، فيكون بينها وبين النبوة عموم وخصوص مطلق ، لصدق الولّي على كل نبيّ وولي وخليفة وإمام ولا عكس ، فإنّ مرتبة النبوة أقوى من مرتبة الولاية الخاصة ، لأنّ هذه الولاية مبدؤها النبوة بخاصيّة كمال متابعته له ، وقوة سلوكه مواطئ أقدام مقاماته ، حتى يصير متكمّلا بجميع كمالاته ، فيقوم مقامه في الخلافة والولاية ، فهو مقتبس لها من مشكاة النبوة ، مستفيد لأنوارها منه بغير واسطة شيء خارج فيوجب له الاستغناء من المرشد والمعلّم ، بل يفيض عليه الكمال الأعلى ، والنور الأسنى ، بسبب مقابلة نفسه لنفسه وشدة اتصالها بها ، فينطبع فيها جميع الصور المنتقشة فيها من عالم الغيب ، لكون نفسه نفسا قدسية كنفسه لشدة اتصالها بالعالم العلوي والمبدء الأعلى ، وجمعها بين القوتين ، إلّا أنّ ذلك الاتصال لها مشروط باتصالها بمشكاة النبوة التي هي الطريق لها إلى الوصول إلى ذلك الاتصال.
فعلم من ذلك أنّ الولاية المطلقة أجلّ وأعلى وأشرف من مرتبة النبوة.
لأن الولاية مبدء لها ، إذ النبي لا يكون نبيا حتى يكون وليا ، فالولاية مبدء النبوة ، وإذا كانت مبدأ لها كانت سابقة عليها ، وعلة في حصولها فتكون ولاية النبي المطلقة أجل وأعلى وأشرف من نبوته.
ولأنّ مقام الولاية هي الوحدة المطلقة التي هي مقام لا يسعه ملك مقرب ولا نبي مرسل ، وكمال النبوة من جهة الكثرة الحاصلة بسبب الرد إليها بعد مقام الوحدة المشار إليها
بقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «فإني أباهي بكم الأمم» (١).
ولا ريب أن مقام الوحدة أجل وأعلى من مقام الكثرة.
__________________
(١) بحار الأنوار : ج ٥ / ٢٩٣ ، ح ١٦.