وما ذكرناه من معاني حرف الباء أنموذج يظهر لك باقي معانيها وأمير المؤمنين عليهالسلام هو غيب ذلك كله وحقيقته ومبدؤه وأصله ومنشؤه.
وإليه الإشارة بقوله : «أنا النقطة تحت الباء» أي غيبها وسرها المستتر المقنع بالسر وحقيقتها المحجوبة في ذاتها المتنزلة إلى عالم الناسوت ، إذ ليس المراد هو النقطة الواقعة تحت حرف الباء بالمداد والسواد بحيث نميز الباء عن التاء والثاء والياء ، فإنها حدود عرضية وصفات خارجية وعلامات مميزة لا دخل لها في جوهر الذات ، بل المراد أنّ الوحدة إما وحدة حقية لا تعرّف بكمّ ولا كيف ولا جهة ولا إضافة ولا ذات ولا وصف ولا نعت ولا حقيقة ولا اعتبار ، بل هو الواجب الحق والمجهول المطلق من حيث الذات لا من حيث الآثار ، ولذا ينبغي قطع الطمع عن التكلم فيه تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
وإمّا وحدة خلقية ولها تجليات ومظاهر في جميع العوالم المرتبة في السلسلة الطولية من الدرّة إلى الذرّة ففي عالم الجبروت هي الوحدة وهي المشية الكلية ، ونور محمد وعلي عليهماالسلام ، وهذه الوحدة لا تزال تتنزل من عالم إلى عالم حتى تظهر في عالم الحروف الكتبية المنقوشة في الألواح والسطور بالنقطة التي هي أصل كل الحروف.
فإن أوّل ما يقع القلم في اللوح تظهر النقطة ولو قبل الجريان ، فتظهر هي بنفسها وتتجلى ساير الحروف بها فهي آية نقشية ناسوتية المشية الكلية الإلهية ، كما قال عليهالسلام : «خلق الله المشية بنفسها ، ثم خلق الأشياء بالمشية» (١).
ثم اعلم أن الحروف تنقسم إلى حروف كتبية ولفظية ونفسية ، فالباء مثلا لها صورة كتبية منقوشة بالأقلام على الألواح ، وصورة لفظية حاصلة من تقطيع الهواء
__________________
(١) بحار الأنوار : ج ٤ / ١٤٥ ، عن توحيد الصدوق عن الصادق عليهالسلام.