الخلاف من البين في كلتا المسألتين.
نعم ، ربما يقال بوضع الألفاظ للماهية من حيث هي مع قطع النظر من كونها موجودة في الخارج أو الذّهن ، وهو جيّد بالنسبة إلى الطبائع الكليّة. فالحقّ كما قيل أن يقال : إنّ اللفظ في الكليّات موضوع للماهيّة من حيث هي ، وفي الجزئيّات الخارجية للّشخص الخارجي ، وفي الذهنيّة للشخص الذهني ، فلفظ الله على فرض كونه علما موضوع للذات من حيث هي ، وأمّا الخارج والذهن فهما ظرفان للأشخاص والصور الكائنة في سرادق الإمكان ، تعالى الله عن ذلك علّوا كبيرا.
نعم لا بأس فيه على فرض تعميم الخارج.
ومن جميع ما مرّ يظهر ضعف ما ذكره الشيخ صدر الدّين القونوى (١) في تفسير الفاتحة من إختيار وضع الألفاظ للمعاني الذّهنيّة نظرا إلى أنّه إذ راى جسم من بعيد وظنّ أنّه صخرة فاذا قرب وشوهدت حركته قيل : طير فاذا قرب جدّا قيل : إنسان ، فاختلاف الأسماء لاختلاف التّصورات الذّهنيّة يدلّ على أنّ مدلول الألفاظ هو الصّور الذّهنيّة ثمّ أيّده بأنّه على فرض الوضع للموجود الخارجي إذا قال إنسان : العالم قديم ، وقال غيره : إنّه حادث لزم كون العالم قديما حادثا معا وهو تناقض ، أمّا على فرض الوضع للمعاني الذّهنيّة يكون هذان القولان دالّين على حصول هذين الحكمين من هذين الانسانين بحسب تصوّرهما الذّهنى ولا تناقض في ذلك انتهى.
إذ فيه أنّ تغيير التّسمية لتغيّر الأمر الخارجي في اعتقاد المتكلّم إذ الصّخرة والطّير والإنسان قد وضع كلّ منهما للأمر الخارجي إلّا أنّ المتكلّم لمّا توهّم الشّبح
__________________
(١) هو محمد بن إسحاق صدر الدين القونوى من تلامذة ابن عربي توفى سنة (٦٧٢) ـ معجم المؤلّفين ج ٩ ص ٤٣.