المشية العزمية فهي المكتوبة.
أقول : وستسمع عن قريب تمام البحث في مغايرة المادّة التي اشتق منها اسم الرحمن ، وما اشتق منه اسم الرحيم بحسب المعنى الملحوظ فيهما.
بقي الكلام في تحقيق هذين القسمين من الرحمة ، وإن كان سيأتي إن شاء الله في الآية المتضمنة لهما (رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ) (١) ، إلا أنه لا بد في المقام من شرح الاسمين الذين أحدهما إشارة إلى الواسعة وهو الرحمن ، والآخر إلى المكتوبة ، وهو الرحيم.
وذلك أن الله تعالى وهو الفعّال لما يريد ، علم وشاء وأراد وقدّر وقضى وأمضى أن يجري فيض جوده على حسب قبول الأعيان واختياراتها واستعداداتها من السعادة والشقاوة والخير والشر والنعيم والجحيم والاستقامة والاعوجاج وغير ذلك مما يختاره الشيء حين تشيّئه وحين ما هو شيء ومن حيث ما هو مختار.
إذ الحق أنه لا جبر ولا إكراه ولا اضطرار في الشرع التكويني ولا في الكون التشريعي (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) (٢) ، (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (٣).
أنزل من السماء سماء الوجود ومنبع الجود ، عرش الإمكان والأكوان ، ومستوى الرحمن ، ماء ، وهو ماء الإفاضة والإيجاد ومادة المواد ، ومفيض القابلية والاستعداد (فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها) (٤) وانوجدت الأشياء على حسب قبولها واختيارها ، وهذه الرحمة التي هي مقتضى تلك المشية الحتمية يسمى رحمة العدل
__________________
(١) الأعراف : ١٥٦.
(٢) البقرة : ٢٥٦.
(٣) يونس : ٩٩.
(٤) الرعد : ١٧.