بالكرسي ، ولا ريب في فضل الأوّل على الثاني ، وإن كان كل منهما بابا من أبواب الغيوب ، إلى غير ذلك من المناسبات التي ينبغي أن يقال : إن الصحيحة منها نكات بعد الوقوع.
وأخرى بأنه صار كالعلم لله ، لا من حيث إنّه موضوع لذاته تعالى ، بل من حيث إنه لا يوصف به غيره ، فهو أليق بلصوق لفظ الجلالة ، وبكونه بمنزلة الموصوف للرحيم ، وبالتوسط بينهما لكونه ذا جهتين.
بل عن بعض المحققين أنّه بدل من لفظ الجلالة ، والرحيم صفة له ، لا للجلالة ، إذ حق النعت التقديم على البدل.
وذكر بعض الأجلّة أن الرحمن صفة للجلالة والرحيم صفة الرحمن ، مضافا إلى اختصاص معناه به سبحانه ، وذلك لأن معناه المنعم الحقيقي البالغ في الرحمة غايتها ، وذلك لا يصدق على غيره ، لأن من عداه فهو مستفيض بلطفه وإنعامه ، يريد جزيل ثواب ، أو جميل ثناء ، أو إزالة الرقة الناشية من الجنسية ، كمن رأى بعض أبناء جنسه في بلية ، فتألّم قلبه ورقّ له وخلصه منها ، طلبا لإزالة ذلك التألم بالتخليص المذكور ، أو إزالة حب المال ورذيلة البخل ، الذي هو أقبح الخصال ، وأشنع الرذائل كمن يفرّق أمواله في الناس تكميلا لنفسه وتخليصا لها من تلك الرذيلة ، فمبالغة الرحمة حيث اختصّت به سبحانه أفادت اختصاص الوصف به.
نعم ، ربما يناقش فيه بأن ذلك يتصور بأحد وجهين :
أحدها : أن يكون الذات المعتبر فيه معيّنا بأنه المنعم الحقيقي لا من حيث المفهوم.
والآخر : أنّ الزيادة المبالغة في الصيغة تستدعي البلوغ إلى الغاية ، ويلزم منه أن لا يصدق إلّا على المنعم الحقيقي البالغ في الرحمة غايتها وهو الله ، فيأوّل معناه إلى ذلك وكلاهما فاسدان.