بالقطرة والذرة ، والصواب ترك النسبة ، بل الانتساب ، فأين التراب وأبو تراب؟ ولو كانت بينهما نسبة لتكلّم ابن عباس بحرف واحد ، أو بكلمة واحدة ، مع أنّ ما تكلّم عليهالسلام به في تلك الليلة مع ضيق الوقت إنما هو على قدر فهمه وحسب مقامه ، لأنهم مأمورون بتكلّم الناس على قدر عقولهم.
ولذا قال ابن عباس : «فقمت وقد وعيت كل ما قال» ، وإلا فهو عليهالسلام كان قادرا على استخراج جميع العلوم والمعارف والأحكام المتعلقة بالإمكان والأكوان من الحقائق التكوينية والعلوم التشريعية من كلمة واحدة بل من حرف واحد.
ولذا قال عليهالسلام : «لو شئت لأوقرت سبعين بعيرا من تفسير باء بسم الله».
وفي خبر آخر : «من تفسير فاتحة الكتاب» رواه الشهيد في «أسرار الصلاة» (١).
وقال أبو جعفر الباقر عليهالسلام : «لو وجدت لعلمي الذي آتاني الله حملة لنشرت التوحيد والإسلام والإيمان والدين والشرائع من الصمد ، وكيف لي بذلك ولم يجد جدي أمير المؤمنين عليهالسلام حملة لعلمه حتى كان يتنفس الصعداء (٢) ويقول على المنبر : «سلوني قبل أن تفقدوني» فإنّ بين الجوانح مني لعلما جمّا ، هاه هاه ألا لا أجد من يحمله ، ألا وإنّي عليكم من الله الحجة البالغة «فلا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور» (٣).
وبالجملة ، فالحروف والكلمات لها مراتب ودرجات وأطوار علوية وسفلية ، مجردة ومادية ، جبروتية وملكوتية وناسوتية ، والمدرك منها بالمشاعر الظلمانية
__________________
(١) بحار الأنوار : ج ٩٢ / ١٠٣ عن «أسرار الصلاة».
(٢) الصعداء ـ بضم الصادر وفتح العين ـ التنفس الطويل من أو تعب.
(٣) بحار الأنوار : ج ٣ / ٢٢٥ ، ١٥ والآية بلا لفظ الغاء في سورة الممتحنة : ٢٤.