ومن هنا قال مولانا سيد الشهداء صلى الله عليه وعلى الأرواح التي حلت بفناءه في دعائه يوم عرفة بعد الإشارة إلى جملة من نعمه سبحانه :
«فأي نعمك يا إلهي أحصي عددا وذكرا ، أم أي عطاياك أقوم بها شكرا؟ وهي يا رب أكثر من أن يحصيها العادّون أو يبلغ علما بها الحافظون ، ثم ما صرفت ودرأت عني ، اللهم من الضرّ والضراء أكثر مما ظهر لي من العاقبة والسرّاء ، وأنا أشهد يا إلهي بحقيقة إيماني ، وعقد عزمات يقيني ، وخالص صريح توحيدي ، وباطن مكنون ضميري ، وعلائق مجاري نور بصري ، وأسارير صفحة جبيني ، وخرق مسارب نفسي ، وخذاريف مآرن عرنيني ، ومسارب صماخ سمعي ، وما ضمّت وأطبقت عليه شفتاي ، وحركات لفظ لساني ، ومغرز حنك فمي وفكي ، ومنابت أضراسي ، وبلوغ حبائل بارع عنقي ، ومساغ مأكلي ومشربي ، وحمالة أم رأسي ، وجمل حمائل حبل وتيني ، ما اشتمل عليه تامور صدري ، ونياط حجاب قلبي ، وأفلاذ حواشي كبدي ، وما حوته شراسيف أضلاعي ، وحقاق مفاصلي ، وأطراف أناملي ، وقبض عواملي ، ولحمي ودمي وشعري وبشري وعصبي وقصبي وعظامي ومخي وعروقي وجميع جوارحي ، وما انتسج على ذلك أيّام رضاعي ، وما أقلّت الأرض مني ، ونومي ويقظتي وسكوني وحركتي ، وحركات ركوعي وسجودي ، أن لو حاولت واجتهدت مدى الأعصار والأحقاب لو عمرتها أن أؤدي شكر واحدة من أنعمك ما استطعت ذلك إلّا بمنّك الموجب علي شكرا آنفا جديدا ، وثناء طارفا عتيدا ، أجل ولو حرصت أنا والعادّون من أنامك أن نحصي مدى إنعامك سالفة وآنفة لما حصرناه عددا ولا أحصيناه أبدا ، هيهات أنّى ذلك وأنت المخبر عن نفسك في كتابك