بل يستفاد من بعض الأخبار والخطب المأثورة عنهم عليهمالسلام أنه سبحانه فوّض إليهم جميع شؤون الربوبية في الخلق والرزق والإحياء والإماتة ، لكن لا تفويض تشريك ، ولا عزلة وتخيير ، ولا تفويض توكيل ، كما يفوّض أحدنا أموره إلى وكيله ، فيتصرّف في أموره بعد إذن الموكل بقوّته بالاستقلال ، فإنّ هذه المعاني للتفويض كلها كفر وزندقة.
وهذا معنى قول مولانا الصادق عليهالسلام على ما رواه شيخنا المجلسي قدسسره : «من قال نحن خالقون بأمر الله فقد كفر» (١).
فإن المراد نفي الاستقلال والاستبداد الذي يكون لوكيل بعد إذن الموكل ، إذ ليس لهم توهم هذه الاستقلال والإنيّة (بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) (٢) إلى قوله تعالى : (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) (٣).
بل المراد بالتفويض الذي نقول به هو تفويض الوساطة والآلية والإشراق والعبوديّة كما قال تعالى حكاية عن عيسى عليهالسلام : (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ) (٤).
وبالجملة الأخبار الدالّة على تفويض الأمور التكوينية والتشريعية إليهم عليهمالسلام كثيرة جدا بالغة حدّ التواتر لمن تتبعها في مظانها ، لكن ينبغي حملها على وجهها الذي أريد منها ، وهو أن جميع الآثار من الخلق والرزق وغيرهما منه سبحانه ، إلّا أنّه لمّا جرت عادته سبحانه بأن يكون له وسائط لإفاضته التكوينية كما أنّ له
__________________
(١) لم أظفر على مصدره بعد التفحص في البحار.
(٢) الأنبياء : ٢٦ ـ ٢٧.
(٣) الأنبياء : ٢٩.
(٤) آل عمران : ٤٩.