وشرّف المؤمنين بانتسابهم إلى عبوديته وكرّمهم وفضّلهم بقوله : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا) (١) ، (يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ) (٢) ، (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) (٣).
ووصفهم بأحسن الحلية في قوله : (التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ) (٤).
والعبوديّة أصل للعبادة ولذا قال سبحانه : (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ) (٥) آه تنبيها على أنّ العبوديّة تقتضي العبادة والاستنكاف عنها استنكاف عن الأولى.
ثمّ إنّ العبوديّة وإن قيل انّها تجيء في اللّغة لمعان خمسة : الذلّة والمقهورية كقوله : (أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ) (٦) اى ذلّلتهم وقهّرتهم ، والتكليف بالأمر والنّهى كقولك تعبّد فلانا أى كلّفه بالأمر والنّهى ، وشدّة نسبح الثّوب وقوّته من قولهم : ثوب ذو عبدة إذا كان في غاية الصفاءة وقوّة ، وتحمّل العناء من قولك : بعير معبّد إذا كان مطليّا بالقطران ، والانكسار والخضوع عن قولهم طريق معبّد.
إلّا أنّ الحقّ رجوعها إلى ما سمعت وإن كان بين كلّ منها وبين العبوديّة المضافة إلينا من المناسبة ما لا يخفى ، وكذا سائر مستعملاتها ممّا سوى الخمسة ، بل وكذا معاني العبادة الّتي قيل هي التّوحيد في قوله : (وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) (٧) والدّعاء في قوله : (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي) (٨) والطّاعة في
__________________
(١) الزمر : ٥٣.
(٢) الزخرف : ٦٨.
(٣) الحجر : ٤٢.
(٤) التوبة : ١١٢.
(٥) الأنبياء : ١٧٢.
(٦) الشعراء : ٢٢.
(٧) النساء : ٣٦.
(٨) غافر : ٦٠.