وإن كان الأحوط فيها الاقتصار على الصيغة المروية ، بل خصوص المشهور ، إلا أن الأقوى جواز غيرها أيضا ، والنبوي المروي في «العوالي» عامي ، ولذا لا يصلح للتقييد مضافا إلى عدم صراحته في التعيين ، بل يكفي في مثله الأولوية.
نعم في «شرح النفلية» لثاني الشهيدين أن المعنى في أعوذ وأستعيذ واحد قال الجوهري (١) : عذت بفلان ، واستعذت به : أي لجأت إليه ، وفي أستعيذ موافقه للفظ القرآن ، إلا أن أعوذ في هذا المقام أدخل في المعنى ، وأوفق لامتثال الأمر الوارد بقوله : «فاستعذ» لنكتة دقيقة ، وهي أن السين والتاء شأنهما الدلالة على الطلب فوردتا في الأمر ، إيذانا بطلب التعوذ فمعنى «استعذ» إي أطلب منه أن يعيذك فامتثال الأمر أن يقول : أعوذ بالله ، أي التجئ إليه ، لأن قائله متعوذ قد عاذ والتجأ ، وقائل أستعيذ ليس بعائذ ، إنما هو طالب العياذ به ، كما تقول : أستخير بالله ، أي أطلب منه الخيرة وأستغفر أي أطلب مغفرته.
لكنهما (٢) دخلتا هنا في فعل الأمر بخلاف الاستعاذة ، وبذلك يظهر الفرق بين الامتثال بقوله «استغفر الله» ، دون استعذ بالله ، لأن المغفرة إنما تكون من الله فيحسن طلبها ، والالتجاء يكون من العبد فلا يحسن طلبه.
ثم اعترض على كلام الجوهري ، وحكي عن جماعة من المحققين ردّوه واعترضه بعض (٣) المحققين في تلك النكتة بأنّه إذا كان معنى استعذ اطلب منه ما يعيذك
__________________
(١) الجوهري : إسماعيل بن حماد الجوهري أبو نصر كان من أئمة اللغة وخطه يذكر مع خط ابن مقلة ، أشهر كتبه «الصحاح» وهو أول من حاول الطيران ومات في سبيله ، صنع جناحين من خشب وربطهما بحبل وصعد سطح داره ونادى في الناس : لقد صنعت ما لم أسبق عليه وسأطير الساعة ، فازدحم أهل نيسابور ينظرون إليه ، فتأبط الجناحين ونهض بهما ، فخانه اختراعه فسقط إلى الأرض قتيلا. ـ الأعلام : ج ١ / ٣٠٩.
(٢) أي السين والتاء.
(٣) المراد به كما قال في الهامش هو الشيخ سليمان بن عبد الله بن علي بن عمار الماحوزي من