وذلك أنّ كل حقيقة محفوظة بنفسها في جميع العوالم ، لكنّها تختلف ظهورا وخفاء ، وحقيقة ومثالا باعتبار العوالم ، ففي الدنيا بصورة الجواهر والأعراض الكائنة فيها ، وفي الآخرة ، وهي اليوم الذي فيه تبلى السرائر وتكشف الضمائر ، يظهر كل شيء بحقيقته الّتي هو عليها من دون مثال وحكاية ، فيظهر نور الإيمان والولاية بحقيقته النورانيّة ولذا قال تعالى : (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ) (١).
وهو النور المشار اليه بقوله : (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) (٢).
ولذا (يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا).
في الدنيا (انْظُرُونا) اى انظروا إلينا (نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ) ، على سبيل الاستضائة والاستشراق ، (قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ) يعنى الى الدنيا (فَالْتَمِسُوا نُوراً) (٣).
فإنّ هناك يكتسب النور ، وهذا يوم الظهور ، فالدنيا عمل ولا جزاء والآخرة جزاء ولا عمل ، بل الدنيا هي أرض المحشر والطبقة الاولى من جهنّم وهي سجن المؤمن وناره ، (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) (٤) ، ولذا يقول المؤمنون يوم القيامة : جزناها ، وهي نار خامدة ، والحمّى حظّ المؤمن من قيح جهنّم ، والتكاليف الدنيويّة هي النار المؤججة في عالم الذرّات فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما.
وسوء الخلق هو الذي يوجب ضغطة القبر ، بل هو هي بعينها ، بل البدن الدنيوي قبر متصل لصاحبه قبل القبر المنفصل ، ولذا جعلت من بيانيّة في قوله
__________________
(١) الحديد : ١٢.
(٢) البقرة : ٢٥٧.
(٣) الحديد : ١٣.
(٤) سورة مريم : ٧١.