بفسادها إذا غاية ما استدلّوا به أنها لو كانت موجودة فإن كانت أجساما غليظة كثيفة لرآها كل سليم الحس ، وتجويز عدم رؤيتها حينئذ سفسطة محضة ، كتجويز أن يكون بحضرتنا جبال شاهقة وبحار غامرة لا نراها.
وإن كانت لطيفة لتلاشت وتمزقت بأدنى قوة فضلا من أن تقاوم المصادمات القوية ، أو تقدر على الأعمال الشاقة التي ينسبها إليها مثبتوها.
وأن وجودهم مع ما نسب إليهم يرفع الوثوق بالمعجزات لجواز استناد كل من المعجزات إليهم ، سيّما مع إيحائهم إلى أوليائهم ، وانفتاح باب الكهانة.
وأن كثيرا ممن ادعى علم العزائم ومشاهدة الروحانيّين بعد أن تابوا كذّبوا أنفسهم فيما نسبوا إليهم.
وأن الآثار المنسوبة إلى الجن والشيطان إذا تأمّلتها وجدتها راجعة إلى
__________________
فقوله : هذا شرح الاسم يدل علي أن هذا الحد شرح للمراد من هذا اللفظ ، وليس لهذه الحقيقة وجود في الخارج ، وأما جمهور أرباب الملل والمصدقين للأنبياء فقد اعترفوا بوجود الجن ، واعترف به جمع عظيم من قدماء الفلاسفة وأصحاب الروحانيات ويسمونها بالأرواح السفلية. ـ مفاتيح الغيب : ج ٣٠ / ١٤٨.
وقال إمام الحرمين عبد الملك بن عبد الله الجويني المتوفى سنة (٤٧٨) ه في كتابه «الشامل» في أصول الدين : إن كثيرا من الفلاسفة وجماهير القدرية وكافة الزنادقة أنكروا الشياطين والجن رأسا ، ولا يبعد لو أنكر ذلك من لا يتدبر ولا يثبت بالشريفة ، وإنما العجب من إنكار القدرية مع نصوص القرآن وتواتر الأخبار واستفاضة الآثار.
وقال أبو القاسم الأنصاري سليمان بن ناصر الفقيه الشافعي المتوفى سنة (٥١٢) ه في كتابه «شرح الإرشاد» في أصول الدين : قد أنكرهم معظم المعتزلة ، ودل إنكارهم إياهم على قلة مبالاتهم وركاكة دياناتهم ، فليس في إثباتهم مستحيل عقلي وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على إثباتهم ، وحق على اللبيب المعتصم بحبل الدين أن يثبت ما في العقل بجوازه ونص الشرع على ثبوته ـ. عن آكام المرجان في إثبات وجود الجان : ص ١٥ ، تأليف : بدر الدين محمد الشبلي الحنفي المتوفى (٧٦٩) ه.