الإمكانية الّتي تساوق العبوديّة فليس غلوّا في شيء ، ولذا بيّن الغلو بتشبيهه بغلوّ النصارى القائلين بالحلول والاتّحاد والتثليث وإضافة النبوّة إلى النبوّة ، وذلك لقصور أنظارهم وضيق صدورهم عن ملاحظة ما منّ الله تعالى على أوليائه من التّصرف في الملك والملكوت مع أنّ الأمر كله بيده سبحانه وحده لا شريك له حسب ما سمعت.
ومن هنا يعلم أنّ الأخبار الناهية عن الغلوّ محمولة على المعاني الثلاثة المتقدّمة كما هو معلوم من حال عبد الله بن سبا (١) اوّل الغلاة المذكور حاله في الرجال.
وفي بصائر الدرجات وكتاب الدلائل للحميري عن إسماعيل بن عبد العزيز قال : قال لي ابو عبد الله عليهالسلام : يا إسماعيل ضع لي للمتوضّا ماء قال : فقمت فوضعت له فدخل فقلت في نفسي : أنا أقول فيه كذا وكذا ويدخل المتوّضا ويتوضّأ.
قال فلم يلبث أن خرج ، فقال : يا اسمعيل لا ترفع البناء فوق طاقته فينهدم اجعلونا مخلوقين وقولوا فينا ما شئتم ولن تبلغوا ، فقال إسمعيل وكنت أقول إنّه هو وأقول وأقول (٢).
أقول : قيل : المراد انّه الربّ تعالى الله عن ذلك ، وأقول أي لم أرجع بعد عن هذا القول ، أو المعنى كنت مصرّا على هذا القول.
وفي حديث الأربعمائة عن مولينا أمير المؤمنين عليهالسلام : إيّاكم والغلوّ فينا فإنّا
__________________
(١) قال المحدّث القمى قدسسره في سفينة البحار ج ٦ ص ٦٨ : عبد الله بن سبأ غال ملعون استهواه الشيطان وكان يأتيه ويلقى في روعه ما اعتقده من الباطل فكان يدّعى النبوة وأنّ أمير المؤمنين هو الله تعالى فحبسه أمير المؤمنين عليهالسلام واستتابه فلم يتب فأحرقه بالنار.
(٢) بحار الأنوار : ج ٢٥ / ٢٧٩ ح ٢٢ عن بصائر الدرجات ص ٦٤.