بلسانهم ليحقنوا به دمائهم فأدركوا ما أمّلوا وإنّا آمنّا بألسنتنا وقلوبنا لتعفو عنّا فأدركنا ما أمّلنا.
ثمّ انّ هذا الإيمان الجامع للحدود الظاهرية والحقائق الواقعيّة من الإعتقادات والنيات والأخلاق والأعمال وغيرها من الشرائع التكوينيّة والتكوينيّات الشّرعيّة هو الطريق الأقرب للسّالكين الى الله والوافدين عليه ، وهو بمنزلة الخطّ المستقيم الذي هو أقصر الخطوط الواصلة بين النهايتين وان كان سبحانه يجلّ عن اكتناه الحدود والأطراف والنهايات (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) (١).
بل قد انتهى المخلوق إلى مثله وألجأه الطلب إلى شكله ، فهو طريق إلى قربه وجواره ، بل هو طريق إلى حقيقة العبد وهي العبوديّة الّتي كنهها الربوبيّة فإنّ الطريق إلى الله مسدود ، والطلب مردود ، ولا يتجاوز الممكن مقام نفسه (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) (٢) وخلق الله الخلق حجاب بينه وبينهم ، ولا يرتفع الحجاب إلّا بفتح الباب ، وسدّ الأبواب (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) (٣) فلا ينصبغ العبد بصبغة الله ولا يتخلق بأخلاقه ما دام فيه تلوّن من عقله ونفسه الناطقة فضلا عن الأرواح الحيوانيّة والسبعية والبهيمية والشيطانيّة والجسمانيّة فاذا استسلم وتعلّم كلب الكهف باسطا ذراعيه فنائه كان لون الماء لون إنائه فيقلبهم الله ذات اليمين وذات الشمال ، ويصير العبد بحقيقة مرآة مجلوّة لإشراق أشعة أنوار الجلال والجمال ، وهذا هو الطريق الموصل إلى قرب الحقّ وجواره الذي هو صورة ولاية مولينا أمير المؤمنين عليهالسلام في الدنيا بل متفرّع من هيئات أعماله وأفعاله وآثاره ، بل مقتبس من إشراق أشعّة أنواره ، وهو الذي يتجوهر في يوم القيمة الذي تبلى فيه السرائر ، وتنكشف الضمائر ، فيكون على صورة الصراط جسرا ممدودا على متن
__________________
(١) البقرة : ١١٥.
(٢) الحديد : ٤.
(٣) يوسف : ٣٩.