جهنّم الذي هو تجوهر البعد عن ساحة قربه سبحانه للاشتغال بالهواجس النفسانيّة والانغماس في الكدورات الظلمانية والاستغراق في الغواسق البدنية ولذا يكون في تجوهره أدقّ من الشعر وأحدّ من السيف والنّاس يمرّون عليه على طبقات فمنهم من يمرّ مثل البرق أو عدو الفرس ، أو المشي أو متعلقا بيديه قد تأخذ النار منه شيئا وتترك شيئا أو على الصدر إلى غير ذلك من الطبقات والمراتب الّتي يشاهد مثلها في هذا العالم في سلوك الدين المبين والاهتداء بشريعة سيّد المرسلين فمنهم الذين استسهلوا ما استوعره المترفون بل انخمدت نار طبيعتهم ، وفنوا عن إنيّتهم فتمتّعوا بلذيذ مناجاته ، وحملوا في سفن نجاته وأوردوا حياض حبّه وأذيقوا حلاوة ودّه وقربه ، ومنهم غير ذلك إلى أخر المراتب.
ولذا ورد فيما رويناه سابقا عن تفسير المقاتل أنّه يجعله الله على المؤمنين عريضا وعلى المذنبين دقيقا.
وفي النبوي على ما رواه بعض الأجلّة مرسلا أن الصراط يظهر يوم القيمة للأبصار على قدر نور المارّين عليه ، فيكون دقيقا في حقّ بعض ، وجليلا في حقّ آخرين.
قيل : ويصدّقه قوله تعالى : (نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) (١).
نعم ربما تقول في معنى كونه أدقّ من الشعر وأحد من السيف أنّ كمال الإنسان في سلوكه إلى الحق منوط باستكمال قوّتيه ، أمّا العلميّة فبحسب إصابة الحقّ في الأنظار الدقيقة الّتي هي أدقّ من الشعر في المعالم الالهية وامّا العمليّة فبحسب قوّة الشهوية والغضبيّة والفكرية في الأعمال لتحصيل ملكة العدالة وهي أحدّ من السيف فللصراط المستقيم وجهان : أحدهما أحدّ من السيف من وقف عليه شقّه فيشقّ قدم من مشى أو وقف عليه لحدّته ودقّته وصعوبة الثبات واجتماع
__________________
(١) التحريم : ٨.