على حدة ، لا عاملا في شيء قبله ، غاية الأمر أنّه لدلالة سابقه عليه اطّرد حذفه عن الكلام فيقدّر كما يقدّر الفعل بدلالة اللّاحق في مثل قوله : (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) (١).
لكن قد يقال : إنّ هذا الدليل بعينه استدلّ به أصحاب القول الآخر الذي هو أنّ العامل فيه هو العامل في المبدل منه كغيره من التوابع الّتي عدّ واحدا منها بل قيل : إنه ألصق بمدّعيهم حيث إنّهم قالوا : استقلال البدل ، وكونه هو المقصود بالنسبة يؤذنان بأنّ العامل فيه هو الأوّل لا مقدّر آخر ، إذا المتبوع كالساقط ، فكأنّ العامل لم يعمل في الأوّل ولم يباشر أصلا.
وشيخنا الطبرسي قدسسره جعله صفة للصراط المستقيم قال : ويجوز أن يكون بدلا عنه ، والفصل بين الصفة والبدل أنّ في تقدير تكرير العامل بدلالة تكرير حرف الجرّ في قوله : (قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ) (٢) وليس كذلك الصفة فكما أعيدت اللام الجارّة في الاسم ، فكذلك العامل الرافع أو الناصب في تقدير التكرير فكأنّه قال : اهدنا صراط الذين ، وليس يخرج البدل وإن كان كذلك عن أن يكون فيه تبيين للأوّل كما أنّ الصفة كذلك ولهذا لم يجز سيبويه بي المسكين كان الأمر ولا بك المسكين كما أجاز ذلك في الغايب نحو مررت به المسكين (٣).
قلت : أمّا جعله صفة فبعيد جدّا سيّما مع التكرير ، ولذا جعلوا ناصية في قوله : (بِالنَّاصِيَةِ ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ) (٤) بدلا لا نعتا بل هو قد صرّح به كغيره مع أنّ في عبارته تسامحا في جعل الموصوف الوصف مع الموصوف ، وأمّا ما ذكره في الفرق
__________________
(١) الانشقاق : ١.
(٢) الأعراف : ٧٥.
(٣) مجمع البيان ج ١ ص ٢٩.
(٤) العلق : ١٦.