كما أنّه ربما يكون الشخص حيث يتلذّذ ويتنعّم بكلّ ما يرد عليه ولو من البلايا والمحن الدنيوية كالفقر والمرض والذلّة وغيرها من البلايا والمصائب.
ولذا ورد في الخبر : إنّ العبد إذا بلغ حقايق اليقين ، فالبلاء عنده نعمة.
وفي العلوي الّذي رواه كميل بن زياد انّ النفس الكلية الالهيّة لها خمس قوى بقاء في فناء ، ونعيم في شقاء ، وعزّ في ذلّ ، وفقر في غناء ، وصبر في بلاء ، ولها خاصيّتان : الرضا والتسليم (١).
وذلك لا لإيثار الفقر والذلّة والبلاء على أضدادها من حيث هي ، فإنّ الكلّ نعمة منه تعالى مع أنّ النعمة في أضدادها أتمّ وأعمّ ، بل إنّما ذلك لما يلزمها من قطع العلائق والانقطاع عن الخلايق ، والتوجّه التّام إلى جناب الخالق ، أو لأن العبد يلزم أن يكون في مقام التسليم بحيث يتلقّى ويرضى بما يرد عليه ، ولذا عدّ في العلوي المتقدّم من خواصّ النفس الكلّية الالهية الرضا والتسليم ، وهو من أسنى المقامات على ما يستفاد من أخبار كثيرة.
ثمّ إنّ نعم الله سبحانه على كلّ عبد من عبيده ممّا لا تعدّ ولا تحصى ولذا قال : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) (٢) كيف ولا يمكن لأحد الاطّلاع على الاستقصاء بجميع الارتباطات الّتي بينه وبين كلّ جزئي من جزئيّات العالم ، ممّا جعله الله تعالى من روابط فيوضه الروحانية والجسمانية بلا واسطة أو معها مع وحدتها أو تكثّرها بل لعل الفيض الواحد الجزئى ، فضلا عن الفيوض الكثيرة الغير المتناهية الّتي لا يعلمها أحد إلّا هو سبحانه له ارتباط بجميع مراتب الفيوض الواقعة
__________________
(١) بحار الأنوار ج ٦١ ص ٨٥ عن بعض كتب الصوفيّة.
(٢) إبراهيم : ٣٤.