إليهما ، ثم يفاض عليه القوّة السبعية والشهوية الفرجية ، فلا يزال مشغوفا مشتغلا بتحصيل أسبابها ، وقضاء ووطره منها ، مستعملا لجميع القوى والحواسّ الظاهرة والباطنة في التنعم بها وتمهيد ما يؤدي إليها ، والاحتيال بدفع من يزاحمه فيها من بني نوعه أو غيره ، فتصير جنود الجهل والشيطان مستولية على مملكة البدن ، مستعملة لجميع قواها وأدواتها في حظوظها العاجلة ومقاصدها الداثرة الفانية ، ثم يدخل عند البلوغ أو قبله سلطان العقل مملكة البدن ، على حين غفلة من أهلها ، ويسعى في إصلاحها وتسخير أهلها ويؤيده الله تعالى بألوف من الملائكة مردفين ومسومين ، ويستمد الجهل من الشيطان بألوف من الشياطين فلا يزال يزيّن له العقل طريق الخير والهدى والجهل سبيل الغي والردى ، وتذكرة العقل باليقين الشهودي ، إذ قد عرفت أن الله تعالى خلق الإنسان على هيكل التوحيد ، فإنه يحب الخير ويبغض الشر مع قطع النظر عن الدواعي الشهوانية والأغراض النفسانية التي هي في الحقيقة أمراض كسبية وأسقام اعتمالية ، ويذكره أيضا بالمواعيد الحقة الإلهية ، والتخويفات السماوية ، وبما هو محسوس مشاهد لكافة الأنام من فناء اللذات وبقاء الآثام ، ولا يزال يؤيّد بملائكة الله الصافين والحافين عن يمين قلبه بإذن ربه.
وأما الشيطان فلمجانسة النفس الأمارة بالسوء وللجهل وجنوده وأحزابه قد تقرب إليه واستشرف عليه من كوّة الجهل وأيد بجنوده جنود الجهل ، فإن له سبعين جندا ، كما أن للعقل أيضا سبعين جندا ، فلا يزال يقرّب له الهوى ، ويزيّن له حب الدنيا ، ويأمره بالحوبة ، ويسوّف له التوبة ، ويرجّح عنده الشهوات العاجلة الفانية على السعادات الآجلة الباقية كما قال الله سبحانه : (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) (١).
__________________
(١) آل عمران : ١٤.