وقال : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ) ، (يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) (١) ، فكل هذا وشبهه على ما ذكرت لك وهكذا الرضا والغضب وغيرهما من الأشياء ممّا يشاكل ذلك ولو كان يصل إلى الله (٢) الأسف والضجر وهو الذي خلقهما وأنشأهما لجاز لقائل ان يقول : إنّ الخالق (٣) يبيد يوما لأنّه إذا دخله الغضب دخله التغيّر وإذا دخله التغيّر لم يؤمن عليه الإبادة ثمّ لم يعرف المكوّن من المكوّن ، ولا القادر من المقدور ، ولا الخالق من المخلوق ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا ، بل هو الخالق للأشياء لا لحاجة ، فاذا كان لا لحاجة استحال الحدّ والكيف فافهم ذلك إن شاء الله (٤).
وروى الصدوق مثله في التوحيد والمعاني إلى غير ذلك من الأخبار الدالة على أنّ إطلاق هذه الأفعال عليه سبحانه ليس باعتبار المبادي الّتي هي من أفعال أو انفعالات دالّة على التغيّر والنقصان وغيرهما من لوازم الإمكان الدالّة على الإبادة والفناء كما أشار اليه بقوله : إذا دخله الغضب دخله التغيّر وإذا دخله التغير لم يؤمن عليه الإبادة ، وذلك لما قيل من أنّ هذه الأمور كيفيّات قابلة للاشتداد ، والاشتداد يلزمه التضاد ، والمتضادان متفاسدان ، ولذا ينقلب الماء هواء ، بل نارا باشتداد السخونة المفسدة لصورته المائيّة والهواء ينقلب ماء باشتداد البرد ، والإنسان يموت فجأة عند اشتداد كلّ من الخوف والغضب والفرح ومن أنّ كل متغيّر لا بدّله من مغيّر خارج من ذاته ، إذا الشيء لا يتحرّك من نفسه وكلّ ما له مغيّر قاهر عليه متصرف فيه قادر على إهلاكه وأنّ كلّ ما دخله التغيّر فهو مركّب من أمرين : أحدهما شيء
__________________
(١) الفتح : ١٠.
(٢) في البحار : ولو كان يصل إلى المكون الأسف.
(٣) في البحار : إنّ المكوّن يبيد.
(٤) في البحار : ولو كان يصل إلى المكوّن الأسف.