بالفعل والآخر بالقوّة لاستحالة أن يكون الشيء من جهة ما هو بالفعل بالقوة ومن جهة ما هو موجود معدوما إذ القوّة ضرب من العدم فلا بدّ فيه من تركيب من مادّة وصورة ، وكلّ مركّب مسبوق بالعدم ، قابل للانحلال والزوال ، وأنّ ما كانت له قوّة غير متناهية فلا يؤثّر فيه شيء وهو لا يتأثر ولا ينفعل من شيء ، إذا الضعيف القوة لا يتقاوم قويها فضلا عن أن يغلب على القوي ، فحينئذ كيف الحال إذا كان القوى ذا قوّة غير متناهية فدلّ ذلك بعكس النقيض على أن كلّ متغيّر منفعل فقوته متناهية إلى حدّ وكلّ ما هو كذلك فلا بدّ من أن ينتهى إلى الفناء والدثور إلى غير ذلك من القواطع الدالّة على أنّ إطلاقها كإطلاق ما يضاهيها من المكر والكيد والاستهزاء والأسف والمجيء ونحوها ليست باعتبار مباديها ، بل إنّما هو لأحد الوجهين المشار إليهما في الأخبار المتقدّمة : أحدهما باعتبار الغايات ولذا فسر في كثير منها الغضب بالعقاب ، والرضاء بالثواب المحتملين لارادة المصدر ، واسمه وهو ما يعاقب به وما يرضى به كالنار والجنة ، لا المعنيين المصدريين اللّذين ينبغي تنزيهه سبحانه عنه أيضا الّا أن يكون على وجه التشبيه والتمثيل بناء على أنّه واقع في صقع صفات الأفعال الّتي لا ريب في حدوثها ، وبرائة ساحة كبرياء الذات عنها ، ولذا ورد نسبة جميع الأفعال المتقدّمة إليه ، وإن كانت باعتبار المشاكلة والازدواج لأفعال العباد كقوله : (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) (١) (إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ) (٢) (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) (٣) (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَأَكِيدُ كَيْداً) (٤).
__________________
(١) آل عمران : ٥٤.
(٢) النساء : ١٤٢.
(٣) البقرة : ١٤ ـ ١٥.
(٤) الطارق : ١٦.