وأما قوله : (إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) (١).
فالجعل تكويني بعد الاختيار إذ (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) (٢) ، (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (٣) ، (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) (٤) ، (نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ) (٥).
فإذا استحكم عقد الولاء بينهم تنزلوا في الدركات إلى مقام الإيحاء :
(وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ) (٦) ، (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً) (٧).
فيدخلون في حزب الشيطان ويسلب عنهم اسم الإنسان ، إذ الإنسان بقلبه لا بقالبه ، والشيطان شيطان بمكره وخديعته وتمرده وعصيانه لا بصورته ، هؤلاء هم الذين : (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللهِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ) (٨).
المبحث الثالث : في المستعاذ به ، وهو الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم لكل شيء علما وصنعا وتربية ، ولذا علق الاستعاذة باسم الذات المستجمع للصفات الكمالية في الآيات الثلاثة المتقدمة ، وفي قوله : (فَفِرُّوا إِلَى اللهِ) (٩).
__________________
(١) سورة الأعراف : ٢٧.
(٢) سورة البقرة : ٢٥٦.
(٣) سورة يونس : ٩٩.
(٤) سورة الصف : ٥.
(٥) سورة الحشر : ١٩.
(٦) سورة الأنعام : ١٢١.
(٧) سورة الأنعام : ١١٣.
(٨) سورة المجادلة : ١٩.
(٩) سورة الذاريات : ٥٠.