أو بدعوى أنه لاجل احتوائه على مضامين شامخة ومطالب غامضة عالية ، لا يكاد تصل إليه أيدي أفكار أولي الانظار غير الراسخين العالمين بتأويله ، كيف؟ ولا يكاد يصل إلى فهم كلمات الاوائل إلا الاوحدي من الافاضل ، فما ظنك بكلامه تعالى مع اشتماله على علم ما كان وما يكون وحكم كل شيء (١).
أو بدعوى شمول المتشابه الممنوع عن اتباعه للظاهر ، لا أقل من احتمال شموله لتشابه المتشابه وإجماله (٢).
______________________________________________________
(١) هذا هو الوجه الثاني وهو يرجع الى مثل الاول : من ان الظهور المتراءى في الكتاب ليس هو المراد منه ، وحاصله : انه لا اشكال في كون القرآن يحتوي على مضامين عالية يدق على الافهام الوصول اليها ، وكيف لا يكون كذلك وهو كلام الله الذي فيه تبيان كل شيء ، ومن الواضح ان كثيرا من الاشياء بل وكثيرا من العلوم لا يرى الناس للقرآن دلالة عليها ، ولا ريب في تضمنه لها ودلالته عليها ، واهل الكتاب يفهمون منه كل شيء كما لا يخفى ذلك على كل من راجع كلامهم في مقام احتجاجهم بالكتاب العزيز ، وانه بعد بيانهم له يكون له دلالة بيّنة عليه ، ولا يفهم احد تلك الدلالة قبل بيانهم عليهالسلام ، وكيف يكون كلام الله مما يفهمه الناس ، والحال ان كلام بعض العلماء المتبحرين لا يفهمه الا الاوحدي من العلماء الافاضل المتعمقين ، والى هذا الوجه اشار بقوله : «بدعوى انه لاجل احتوائه».
(٢) هذا هو الوجه الثالث وحاصله : انه لا ريب في نهي الكتاب العزيز في الاخذ بالمتشابه ، لقوله تعالى : (فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ)(١).
ويتضمن الكتاب انحاء ثلاثة من الدلالة :
النص : الذي لا يحتمل فيه دلالة غير ما يفهم منه ويدل عليه ، كقوله تعالى : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ)(٢) الآية.
__________________
(١) آل عمران : الآية ٧.
(٢) الفتح : الآية ٢٩.