وأما الثانية ، فلان احتواءه على المضامين العالية الغامضة لا يمنع عن فهم ظواهره المتضمنة للاحكام وحجيتها ، كما هو محل الكلام (١).
______________________________________________________
ولا اشكال ان أبا حنيفة وقتادة كانا يفتيان بالعمومات والاطلاقات بنحو الاستقلال من دون مراجعة ما ورد عنهم عليهالسلام من المخصص والمقيد ، فلا يكون هذا الردع مما له ربط بما نقول به من حجية الظواهر الكتابية بعد الفحص والبأس عمّا ورد لها عنهم عليهمالسلام من المخصص او المقيد او البيان الدال على انه اريد بها غير ظاهرها مجازا ، والى هذا اشار بقوله : «وردع ابي حنفية وقتادة عن الفتوى به انما هو لاجل الاستقلال» منهما «في الفتوى بالرجوع اليه» أي الى الكتاب «من دون مراجعة اهله» مما ورد عنهم من مخصص او مقيد او ببيان «للمجاز» و «لا» دلالة لهذا الردع «عن الاستدلال بظاهره» أي بظاهر الكتاب «مطلقا ولو مع الرجوع الى رواياتهم عليهمالسلام و» بعد «الفحص عما ينافيه» أي عما ينافي عموم الظاهر او اطلاقه «و» انما تصح «الفتوى به» عندنا «مع الياس عن الظفر به» أي عن الظفر بما ينافيه من مخصص او مقيد او بيان لتجوز.
الثالث : انه مما يدل على عدم اختصاص ظواهر الكتاب بهم عليهالسلام بعد الفحص واليأس هو أمرهم عليهالسلام بالرجوع الى ظواهر الكتاب في جملة من الروايات ، كقوله عليهالسلام : (ان هذا وشبهه يعرف من كتاب الله) (١) في مقام دلالة الباء في آية الوضوء على التبعيض ، ولا ريب في ان دلالة الباء على التبعيض من الظواهر.
ولا اشكال ان قوله عليهالسلام : (ان هذا وامثاله يعرف من كتاب الله) مما يدل على ان تلك المعرفة لا تختص بهم عليهمالسلام ، والى هذا اشار بقوله : «كيف وقد وقع في غير واحد من الروايات الارجاع الى الكتاب ... الى آخر الجملة».
(١) هذا هو الجواب عن الوجه الثاني ، وهو كون القرآن عميق المعنى بعيد المغزى لا يفهمه الّا اهله.
__________________
(١) من لا يحضره الفقيه : ج ١ ، ص ٤٣٥.