وأما الثالثة ، فللمنع عن كون الظاهر من المتشابه ، فإن الظاهر كون المتشابه هو خصوص المجمل ، وليس بمتشابه ومجمل (١).
______________________________________________________
وحاصله : إنا لا ننكر ان القرآن محتو على ذلك ، ولكن تلك المعاني العميقة والمغازي الجليلة المتضمنة لتبيان كل شيء انما هي في متشابهات الكتاب لا في ظواهره ، او تقول بانها في ظواهره ولكن في بطون تلك الظواهر لا في معانيها الظاهرة منها ، ولا ينافي كون الكتاب حجة فيما هو ظاهر فيه ان له بطونا لا يعرفها إلّا اهله ، فانه لا مانع من ان يدل اللفظ على ما هو ظاهر فيه ، وتكون له دلالات اخرى ولو بنحو اللزوم غير البين على معان كثيرة ومغاز عميقة جليلة تتضمن تبيان كل شيء.
وكون اللفظ في الكتاب العزيز له دلالات ومدلولات متعددة منها ما له ظهور فيها بحيث يفهمها كل احد ومنها غامضة لا يفهمها إلّا اهله ـ لا يوجب عدم حجيته في ما هو ظاهر فيه من الاحكام بعد كونها من الظواهر المفهومة لكل واحد ، والى هذا اشار بقوله : «فلأن احتواءه على المضامين العالية الغامضة لا يمنع عن فهم ظواهره المتضمنة للاحكام و» لا يمنع عن «حجيتها» لان تلك المضامين العالية اما ان تكون مرادة من المتشابه او من الظواهر بحسب تعدد الدلالة.
(١) هذا هو الجواب عن الوجه الثالث الذي كان محصله عدم حجية ظواهر الكتاب لانها من المتشابه ، وقد ورد الردع في الكتاب الكريم عن اتباع المتشابه.
وتوضيح الجواب عنه : ان الاستدلال بظاهر الكتاب ممن لا يقول بحجية ظواهره لا يصح إلّا جدلا ، لوضوح انه بعد كونه ممن لا يقول بحجيته كيف يستدل بما لا يراه حجة؟ نعم يصح على نحو الجدل ، وهو الزام الخصم بما يراه حجة وان كان المستدل لا يرى حجته.
وبعد تصحيح هذا الاستدلال على نحو الجدل نقول انه باطل حتى على نحو الجدل ..