وبالجملة : ما دامت فيه صفة كامنة لا يستحق بها إلا مدحا أو لوما ، وإنما يستحق الجزاء بالمثوبة أو العقوبة مضافا إلى أحدهما ، إذا صار بصدد الجري على طبقها والعمل على وفقها وجزم وعزم ، وذلك لعدم صحة مؤاخذته بمجرد سوء سريرته من دون ذلك ، وحسنها معه ، كما يشهد به مراجعة الوجدان الحاكم بالاستقلال في مثل باب الاطاعة والعصيان ، وما يستتبعان من استحقاق النيران أو الجنان (١).
______________________________________________________
(١) توضيحه : هو ان المرتكب لما قطع بانه لا يرضى به مولاه انما نشأ ارتكابه له من ترجيحه باختياره لان يرجح ويفعل ما يوافق شهواته وملائمات نفسه على تركه لرضا مولاه ، ويكشف هذا الترجيح ان طبعه وسريرته تدعوه لان يرجح ما يرضى به نفسه على ما يرضى به مولاه.
ولا اشكال ان من له مثل هذا له طبع شرير وسريرة سيئة ، ومن الواضح ايضا ان نفس الطبع الشرير والسريرة السيئة ليس من مصاديق الظلم للمولى والطغيان عليه والهتك لحرمته ، وقد عرفت ان الوجدان الحاكم باستحقاق الذم والعقاب انما يحكم على ما به هتك وظلم للمولى ، وانما يتحقق ذلك من العبد حيث يجري باختياره مرجحا لما يوافق طبعه على ما يوافق رضا مولاه ، بأن يتحرك ويفعل غير مبال بان يكون هاتكا وظالما.
وبعبارة اخرى : ان هنا ثلاث مراتب :
الاولى : ان يكون له طبع الشر وسوء السريرة من دون ان يكون له شوق ورغبة في الارتكاب ، كمثل الذي لم ير الخمر ولم يسمع بها ولكنه كان بحيث لو رآها وعرفها وقدر عليها لشربها مع علمه بعدم رضا المولى بشربه لها.
الثانية : من يحصل له الشوق والرغبة في الارتكاب ، ولا يمنعه عدم رضا المولى بذلك وانما تمنعه موانع آخر كمثل ان لا يكون له مال يشتريها به.