ثالثها : إنه جعل غاية للانذار الواجب ، وغاية الواجب واجب (١). ويشكل الوجه الاول ، بأن التحذر لرجاء إدراك الواقع وعدم الوقوع في محذور مخالفته ، من فوت المصلحة أو الوقوع في المفسدة ، حسن ، وليس
______________________________________________________
يستلزم الحذر المستلزم للقبول كان لغوا بقوله : «وإلّا لغا وجوبه» أي لغى وجوب الانذار.
(١) هذا هو الوجه الثالث في إفادة الآية لحجية خبر الواحد ، وحاصله : ان الآية تدل على وجوب الانذار ، وقد جعل وجوب الحذر غاية لهذا الانذار الواجب ، فان قوله لعلهم يحذرون بعد قوله ولينذروا قومهم ظاهر في كون الغاية للانذار هو الحذر لانها مثل قوله تعالى : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى)(١) ووجوب الحذر لازمه قيام الحجة عليهم بقول الطائفة النافرة.
والحاصل : ان الحذر غاية للانذار الواجب وغاية الواجب واجبة ، فالحذر يكون واجبا ، ووجوب الحذر لا بد وان يكون حيث تقوم الحجة على من وجب عليه الحذر ، وحيث لا يحصل العلم من الانذار فلا بد وان تكون الحجة مستندة الى حجية قول المنذر ـ بالكسر ـ في حق المنذر ـ بالفتح ـ واما كون الانذار واجبا فهو اما لكونه غاية للنفر الواجب او لدلالة اللام الدالة على الطلب عليه.
والفرق بين الوجه الثاني والوجه الثالث هو انه في الوجه الثاني كان وجوب الحذر مدلولا عليه بدلالة الاقتضاء من جهة وجوب الانذار حتى ولو لم يكن الحذر مذكورا في الآية.
واما بحسب الوجه الثالث فوجوب الحذر قد وقع غاية لوجوب الانذار في الآية ، فالآية لفظها قد دلت على كون الحذر غاية لوجوب الانذار.
__________________
(١) طه : الآية ٤٤.