وتقريب الاستدلال بها : إن حرمة الكتمان تستلزم وجوب القبول عقلا ، للزوم لغويته بدونه (١) ، ولا يخفى أنه لو سلمت هذه الملازمة
______________________________________________________
(١) هذه الآية الثالثة التي استدل بها لحجية خبر الواحد ، وهي قوله تعالى في سورة البقرة مؤنبا لعلماء اهل الكتاب : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ)(١).
وتقريب الاستدلال بها ان الآية قد دلت على حرمة كتمان البينات والهدى ، ولا شك في شمول البينات والهدي للاصول والفروع ، وكما ان علامات النبوة التي وردت في التوراة دالة على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يحرم كتمانها ، كذلك احكام الله التي جاء بها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يحرم كتمانها ايضا ، وان لحرمة الكتمان اطلاقا يشمل ما افاد العلم وما لم يفد العلم ، فيحرم كتمان الحكم على كل من عرفه سواء افاد اظهاره له العلم كما اذا اقترن اظهاره باظهار غيره ، او لم يقترن اظهاره باظهار غيره فلا يكون مفيدا للعلم ، واذا حرم الكتمان ووجوب الاظهار مطلقا سواء افاد العلم او لم يفده كانت الغاية لحرمة الكتمان ووجوب الاظهار هو القبول ، فان العقل لا يرى فائدة لحرمة الكتمان حتى لو لم يفد الاظهار العلم الا القبول ، فانه لو لم يكن الغاية لوجوب الاظهار الذي لا يفيد العلم هو القبول لكان وجوب الاظهار وحرمة الكتمان حينئذ لغوا واللغوية محال عليه تعالى في احكامه ، ومن الواضح ان لازم وجوب القبول هو حجية الخبر الذي لا يفيد العلم ، لعدم امكان ان يجب قبوله ولا يكون حجة.
وقد تبين : ان الاستدلال بهذه الآية على نحو الاستدلال بآية النفر المتقدمة ، فانه كان الاطلاق فيها لوجوب الانذار ولو لم يفد العلم مستلزما الوجوب القبول المستلزم لحجية خبر المنذر وان الغاية لهذا الاطلاق هو القبول.
__________________
(١) البقرة : الآية ١٥٩.