ومعه لا حاجة إلى ما استدل على استحقاق المتجري للعقاب بما حاصله : إنه لولاه مع استحقاق العاصي له يلزم إناطة استحقاق العقوبة بما هو خارج عن الاختيار ، من مصادفة قطعه الخارجة عن تحت قدرته واختياره ، مع بطلانه وفساده (١) ، إذ للخصم أن يقول بأن استحقاق
______________________________________________________
يكون محلا لفيض الرحمة واللطف ، فلذا كان خلوده في النار مسببا عن ذلك البناء الذي هو السبب في ختم صحيفته مقطوعة الربط عنه تبارك وتعالى ، بخلاف العاصي المقترف للذنب بسبب شهوته وهو مؤمن ومعترف بان هناك دارا وحشرا يستحق العاصي فيها العقاب على ذنوبه ، فانه لا بد وان لا تنقطع العصمة بينه وبين الله ، ومن الضروري ان يكون دائما خائفا من ذلك اليوم الذي يقف فيه للحساب بين يديه ، فلا تكون مختومة بسواد لا ألق فيه وظلام لا نور فيه ، فهو محل للفضل والرحمة ، فلا يعقل ان يخلد في العقاب بعد ان كان فضل الله ورحمته تام الاقتضاء وافق العاصي قابل لانبثاق ذلك النور ، نسأله تعالت عظمته وغلبت قدرته ورحمته ان لا يحرمنا من لطفه وفضله وهو ارحم الراحمين.
وانما تعرضنا لخصوص ما ذكرنا من الآيات والروايات مع ان هناك روايات وآيات أخر لذكرها بالخصوص في بعض حواشي الكتاب.
وعلى كل فبعد قيام الاجماع مؤيدا بكثير من الآيات والروايات ايضا وبناء العقلاء على عدم الاستحقاق في مقدمات الارادة فلا بد من تأويل ما دل على خلاف ذلك.
(١) لا يخفى ان المنفصلة الآتية التي استدل بها على عقاب المتجري نتيجتها ثبوت العقاب على الفعل المتجرى به دون الارادة والعزم كما هو رأي المصنف ، فالمستدل بها وان وافق المصنف في استحقاق المتجري للعقاب ، لكنه خالفه في كونه على نفس الفعل المتجرى به دون الارادة.