قوله : (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ)(١) قيل : أضاف الحدث لظرفه الواقع فيه ، أي مكر في الليل ، والإضافة تكون بمعنى في. والأحسن أن تكون على المبالغة ؛ جعل الظرفين ماكرين مبالغة ، كقوله (٢) : [من البسيط]
أما النّهار ففي قيد وسلسلة |
|
والليل في بطن منحوت من السّاج |
جعل النهار في قيد وسلسلة ، والليل في صندوق ، والمراد أنّ الأسر فعل ذلك فيهما. ومثله : نهاره صائم وليله قائم ، ومثله : (فِي يَوْمٍ عاصِفٍ)(٣) وقيل : المكر صرف الغير عمّا يقصده بحيلة من الحيل ، وهو ضربان : محمود وهو أن يتحرّى به فعل جميل ، وعليه قوله تعالى : (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ)(٤). ومن المكر إمهال الله العبد ، وتمكينه من الأعراض الدّنيوية استدراجا له. وعلى ذلك قال أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه : «من وسّع عليه دنياه ولم يعلم أنه مكر به فهو مخدوع عن عقله» (٥).
م ك ك :
قوله تعالى : (بِبَطْنِ مَكَّةَ)(٦). مكة هذه البلدة الشريفة المعروفة ، رزقنا الله تعالى بحرمة نبيّه العود إليها. قيل : اشتقاقها من مكّ الفصيل ضرع أمّه وامتكّه : إذا شرب ما فيه من اللبن ؛ سميت بذلك لأنها تمكّ من فيها من الظّلمة ، أي تستأصلهم ، فلا ترى فيها جبارا إلا أخذ ، ولا يقصدها سلطان بظلم إلا قصم.
وتمكّكت العظم : أخرجت مخّه. فعبّر عن الاستقصاء بالتمكّك ، وقال الخليل : سميت بذلك [لأنها](٧) وسط الأرض كالمخّ الذي هو وسط العظم وأصله. وفي الحديث :
__________________
(١) ٣٣ / سبأ : ٣٤.
(٢) من شواهد الكتاب (١ / ١٦١) ، ونسبه المبرد في الكامل (٧٠٠) إلى لص من أهل البحرين. والساج : شجر من الهند. وفي الكتاب : في قعر منحوت.
(٣) ١٨ / إبراهيم : ١٤.
(٤) ٤٣ / فاطر : ٣٥.
(٥) المفردات : ٤٧١. وفي الأصل : على عقله.
(٦) ٢٤ / الفتح : ٤٨.
(٧) إضافة يقتضيها السياق.