أستاذه : له عنده مكانة. وفي الحديث : «أقرّوا الطّير في مكناتها» (١) قال أبو عبيد : الواحدة مكنة. قال : فاستعير ذلك للطير كما استعيرت المشافر للحبش ، وإنّما هي في الأصل للإبل. وقال شمر : الصحيح فيها أنها جمع المكنة بمعنى التمكّن ؛ يقولون : إنه لذو مكنة من السلطان أي تمكّن ، فالمعنى أقرّوها على كلّ مكنة ترونها عليكم ، ودعوا التطيّر بها ، قال : وهكذا ، كالتّبعة من التّتبع والطّلبة من التّطلّب. وقال غيرهما : معناه على أمكنتها. قال : معناه الطير الذي يزجر به ، وذلك أنّ الرجل إذا أراد سفرا أو غيره زجر ما يراه من الطير ، فإن أخذ ذات اليمين تفاءل به ومضى لأمره ، ويسمى هذا الطير السانح ، وإن أخذ ذات الشمال أمسك عن أمره ، ويسمّى هذا الطير البارح ، وهذا دخول في علم الغيب فنهي عنه ، وإليه نحا من قال (٢) : [من الطويل]
لعمرك ما تدري الطوارق بالحصى |
|
ولا زاجرت الطير ما الله صانع |
ويقال : مكنت الضّبّة وأمكنت ، أي باضت المكن. واختلف أهل التصريف في المكان ، فعندهم أنّ ميمه أصلية على ما قدّمناه ، وزعم الخليل وأتباعه أنّه من الكون ، مفعل منه ، قال : ولكثرته في الكلام أجري مجرى فعال ، فقيل : تمكّن نحو تمسكن وتمنزل ، يعني أنه اعترض على نفسه بقولهم : تمكّن فثبتت الميم في التّصريف ، فدلّ على أصالتها. فأجاب بأنّه جرى مجرى ما ميمه أصلية ونظيره متمسكن ومتمنزل من السكون والنزل ، وقد أتقنّا ذلك في غير هذا.
م ك و :
قوله تعالى : (وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً)(٣). المكاء : صفير الطير. يقال : مكا الطير يمكو مكاء ومكوّا : صفّر. والمعنى أنه لم يكن لهم صلاة عند البيت إلا هذا ، أي جعلوا هذي بدل الصلاة ، كقول الآخر : [من الوافر]
تحية بينهم ضرب وجيع
__________________
(١) النهاية : ٤ / ٣٥٠ ، وفي الأصل : «.. مكانها».
(٢) البيت للبيد كما في الديوان : ١٧٢ ، وفيه : الضوارب بالحصى. ورواية اللسان كالأصل.
(٣) ٣٥ / الأنفال : ٨.