وقيل : معناه لا تعط شيئا. وقال ابن عرفة : المعنى لا تمنن ما أوذيت به في جنب الله ولا تستكثر ، فإنه قليل في جنب الله أن يثيبك به. ومن كلامهم : يا حنّان ، يا منّان ، والله تعالى يمنّ على عباده لأنه مبتديهم بنعمه. ومن قولهم : لا تتزوّج حنّانة ولا منّانة ، أي من تمنّ عليك بمالها (١).
قوله : (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا)(٢) الآية. فالمنّة منهم بقولهم : آمنّا بك وصدّقناك ، وقد كفر غيرنا وكذّبك. ومنّة الله عليهم بالفعل وهو أن هداهم للإيمان بعد أن كانوا ضلّالا.
ومن : مخففة تكون شرطية فتجزم فعلين شرطا وجزما كقوله تعالى : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً)(٣). واستفهاما كقوله : (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ)(٤) وهو استفهام لفظا نفي معنى ، ولذلك وقع معه الاستثناء المفرغ وموصوله ، كقوله تعالى : (وَمَنْ فِي الْأَرْضِ)(٥). ونكرة موصوفة وهي تقع تامة أي لا موصولة ولا موصوفة. وزعم الكسائي أنها تزاد ، مستدلا بقول عنترة (٦) : [من الكامل]
يا شاة ما قنص لمن حلّت له |
|
حرمت عليّ وليتها لم تحرم |
ولا دلالة ، إذ المعنى يا شاة شخص ذي قنص ؛ فهي نكرة موصوفة.
ومن : بكسر الميم حرف جر ، ولها معان كثيرة : ابتداء الغاية في المكان نحو : (مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى)(٧). وفي الزمان غلب أي ومنه قوله : (مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ)(٨) وهو مؤوّل عند أصحابنا. وتكون للتبعيض ولبيان الجنس ، وتحريره في غير
__________________
(١) والحنّانة : التي كان لها زوج قبله فهي تذكره بالتحزّن والأنين. انظر في النهاية : ٤ / ٣٦٦.
(٢) ١٧ / الحجرات : ٤٩.
(٣) ٦٨ / الفرقان : ٢٥.
(٤) ١٣٥ / آل عمران : ٣.
(٥) ١٤ / المعارج : ٧٠.
(٦) الديوان : ١٥٢. الشاة : كناية عن المرأة ، وأراد : يا شاة قنص ، أي صيد.
(٧) ١ / الإسراء : ١٧.
(٨) ١٠٨ / التوبة : ٩.