فما برحت أقدامنا في مكاننا |
|
بليلتنا حتى أديروا المنائيا |
ومنه التمنّي ـ أيضا ـ لأنه تقدير شيء في النفس وتصويره فيها. وذلك قد يكون عن ظنّ وتخمين. وقد يكون عن رويّة وبناء على الأصل. لكن لمّا كان أكثره عن تخمين صار المكذب له أملك ، فلا جرم كان غالب التمنّي كذبا وتصوّر ما لا حقيقة له. وعليه قوله تعالى : (أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى)(١). ولذلك وقع في المستحيلات عكس الترجّي فلا يقع إلا في الممكن ، يقال : ليت شبابي يعود ، وقال الشاعر (٢) : [من الكامل]
ليت الشباب هو الرجيع إلى الفتى |
|
والشيب كان هو البديء الأول |
وقال عروة للحجاج «يابن المتمنيّة» يشير إلى أنّ أمّه هي القائلة (٣) : [من البسيط]
هل من سبيل إلى خمر فأشربها |
|
أم من سبيل إلى نصر بن حجاج؟ |
وكان نصر جميلا وسيما تفتتن به النساء ، فلما سمع عمر شعرها نفاه إلى البصرة. واسم هذه المرأة فريعة بنت همّام ، وكانت قبل ذلك تحت المغيرة.
والأمنية : الصورة الحاصلة في النّفس من تمنّي الشيء ، وجمعها أمانيّ ، وعليه قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَ)(٤) أي تمنيا على الله كقولهم : (لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً)(٥)(نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ)(٦)(لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خالِصَةً)(٧).
قال مجاهد : إلا كذبا ، وقال غيره : إلا تلاوة بلا معرفة معنى تجري عند صاحبها مجرى أمنيّة مبنية على التّخمين. قيل : ولمّا كان الكذب تصوّر ما لا حقيقة له ، وإبرازه باللفظ فقط ، صار
__________________
(١) ٢٤ / النجم : ٥٣.
(٢) البيت من شواهد الفراء (معاني القرآن : ١ / ٤١٠ و ٢ / ٣٥٢).
(٣) عروة هو عروة بن الزبير قال للحجاج : إن شئت أخبرتك من لا أمّ له ، يابن المتمنّية. وخاطبه كذلك عبد الملك ، وأراد بالمتمنّية أم الحجاج التي اسمها الفريعة. وورد البيت في النهاية : ٤ / ٦٧ مع الخبر. ونصر من بني سليم.
(٤) ٧٨ / البقرة : ٢.
(٥) ٨٠ / البقرة : ٢.
(٦) ١٨ / المائدة : ٥.
(٧) ٩٤ / البقرة : ٢.