قوله تعالى : (عُذْراً أَوْ نُذْراً) (١) أي للإعذار أو للإنذار. فهو اسم مصدر ، ثم يجوز أن يكون أصلا بنفسه ، وأن يكون مخفّفا بضمتين.
قوله : (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ) (٢) يجوز في «ما» أن تكون نافية ، وهو الظاهر ؛ أي لم يشاهد آباؤهم نبيا. واستدلّ عليه بقوله : (وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ)(٣). قال الهرويّ : وفيه نظر ، ويجوز أن تكون مصدرية ، أي لتنذر قوما بمثل ما أنذر آباؤهم. فيكون آباؤهم منذرين أيضا. ويجوز أن تكون بمعنى الذي.
قوله تعالى : (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) (٤) النّذر : ما يلتزمه الإنسان من صدقة أو فعل عبادة. ومنه قوله تعالى : (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً) (٥). وقال ابن عرفة : لو قال قائل : عليّ أن أتصدّق بدينار ، لم يكن ناذرا ، ولو قال : عليّ إن شفى الله مريضي ، أو ردّ غائبي صدقة دينار ، كان ناذرا. فالنّذر : ما كان وعدا على شرطه ، فكلّ ناذر واعد. وليس كلّ واعد ناذرا. وهذا إن كان من حيث اللغة فليس كذلك ، إذ النّذر التزام ، وإن كان شرعا فكذلك.
وإنّما هو قسمان : نذر لجاج ونذر تبرّر ، سواء وجدت فيه أداة شرط أم لا. قال الراغب : النّذر أن توجب على نفسك ما ليس بواجب لحدوث أمر. يقال : نذرت لله نذرا.
وفي الحديث : «أنّ عمر وعثمان قضيا في الملطاة بنصف نذر الموضحة» (٦). النّذر : أرش الجراحة بلغة الحجاز (٧). ويقال : نذر ينذر وينذر ، بكسر عين المضارع وضمّها. ولا منافاة بين قوله تعالى : (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) وبين قوله عليه الصلاة والسّلام (٨) : «النّذر لا يأتي بخير»
__________________
(١) ٦ / المرسلات : ٧٧.
(٢) ٦ / يس : ٣٦.
(٣) ٤٤ / سبأ : ٣٤.
(٤) ٧ / الإنسان : ٧٦.
(٥) ٢٦ / مريم : ١٩.
(٦) النهاية : ٥ / ٣٩ ، والحديث لابن المسيّب. والمعنى : بنصف ما يجب فيها من الأرش والقيمة. وأهل الحجاز يسمون الأرش نذرا ، وأهل العراق يسمونه أرشا.
(٧) قال أبو نهشل : النذر لا يكون إلا في الجراح صغارها وكبارها. والشافعي سمّى في كتاب جراح العمد ما يجب في الجراحات من الديات نذرا ، قال : ولغة أهل الحجاز كذلك (اللسان ـ مادة نذر).
(٨) النهاية : ٥ / ٣٩.