وفيما قاله نظر لبشاع لفظتي الوطء والجماع في لسانهم ، ومعناهما مراد. على أنّ الوطء والجماع كنايتان عن الفعل المعروف ، فإنّ حقيقة الوطء وطء الأرض ونحوها بالرّجل. والجماع من الاجتماع والجمع.
ويدلّ على النكاح لغة التداخل قولهم : نكح الأرض المطر. قالوا : وكلّ نكاح ورد في الكتاب العزيز فالمراد به العقد ، إلا موضعا واحدا وهو قوله : (حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ)(١). (ليس المراد مجرّد العقد بل لا بدّ من الوطء ، وفيه نظر من حيث إنه يكون المعنى حتى تطأ الزوجة زوجا غيره) (٢). والوطء إنما ينسب للرجل لا للمرأة ، فنقول : «تنكح» هنا على بابه. ودلّ دليل آخر أنه لا بدّ من الوطء لقوله عليه الصلاة والسّلام : «لا ، حتّى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك» الحديث (٣).
وقال أبو عليّ : فرّقت العرب بين العقد والوطء بفرق لطيف ؛ فإذا قالوا : نكح فلان فلانة أو ابنة فلان أرادوا عقد عليها. وإذا قالوا : نكح امرأته أو زوجته فلا يريدون غير المجامعة. قلت : وهذا غير صحيح لظهوره بالقرينة. ومن ورود النكاح بمعنى العقد قول الشاعر (٤) : [من الطويل]
فلا تقربنّ جارة إنّ سرّها |
|
[عليك] حرام ، فانكحن أو تأبّدا |
أي فاعقد أو كن كالأوابد ، وهي الوحوش. ومن وروده بمعنى الوطء قول الشاعر (٥) : [من الكامل]
النازلين على ظهور متونهم |
|
والناكحين بشاطىء دجلة البقرا |
وقيل : أصل النكاح لغة الملازمة. ومنه نكح المطر الأرض ، أي لزمها.
__________________
(١) ٢٣٠ / البقرة : ٢.
(٢) ما بين قوسين ساقط من ح.
(٣) النهاية : ٣ / ٢٣٧ ، قاله لامرأة القرظي. شبه لذة الجماع بذوق العسل فاستعار لها ذوقا.
(٤) البيت للأعشى ، وهو في الأصل ناقص. الديوان : ١٣٧ ، ختام القصيدة.
(٥) العجز مضطرب ، كذا في الأصل!