تعالى : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ)(١) أي لا تخلق في قلبه الهدى. فلا منافاة بينه وبين قوله تعالى : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ)(٢) : معناه : تدعو إلى صراط. قوله تعالى : (إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى)(٣) أي الدّلالة على الحقّ.
قوله : (أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً)(٤) أي دليلا يدلّني على الطريق. وقال الراغب (٥) : الهدى : دلالة بتلطّف ، ومنه الهديّة. وهوادي الوحوش : المتقدّمات الهادية لغيرها. وخصّ ما كان دلالة بهديت ، وما كان إعطاء بأهديت. ثم قال : إن قيل : كيف جعلت الهداية دلالة بتلطّف ، وقد قال تعالى : (فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ)؟ ثم أجاب أنّه من باب التهكّم كقوله تعالى : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) ، وقول الشاعر (٦) : [من الوافر]
تحية بينهم ضرب وجيع
قال : وهداية الله تعالى للإنسان على أربعة أضرب : الأول ، الهداية التي عمّ بها كلّ مكلّف ، من العقل والفطنة والمعارف الضّرورية ، بل عمّ بها كلّ شيء بقدر فيه حسب احتماله كقوله تعالى : (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى)(٧). الثاني ، الهداية التي جعل للناس بدعائه إياهم على ألسنة الأنبياء وإنزال القرآن ونحو ذلك ، وهو المقصود بقوله تعالى : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا)(٨). الثالث ، التّوفيق الذي يختصّ به من اهتدى ، وهو المعنيّ بقوله : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً)(٩). وقوله : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ)(١٠). الرابع ، الهداية في الآخرة إلى الجنة ، وهو المعنيّ بقوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي
__________________
(١) ٥٦ / القصص : ٢٨.
(٢) ٥٢ : الشورى : ٤٢.
(٣) ١٢ / الليل : ٩٢.
(٤) ١٠ / طه : ٢٠.
(٥) المفردات : ٥٣٨.
(٦) تكرر ، بنصب «تحية» ، وهو من شواهد المفردات.
(٧) ٥٠ / طه : ٢٠.
(٨) ٧٣ / الأنبياء : ٢١.
(٩) ١٧ / محمد : ٤٧.
(١٠) ١١ / التغابن : ٦٤.