وبالكتابة. وقد حمل على ذلك قوله : (فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا)(١). قيل : رمز ، وقيل : كتب ، وقيل : اعتبار. وعلى هذه الوجوه المذكورة حمل قوله : (يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً)(٢).
قال : ويقال للكلمة الإلهية التي تلقى إلى أنبيائه وأوليائه وحي ، وذلك أضرب حسبما دلّ عليه قوله تعالى : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ)(٣) ذلك إمّا برسول مشاهد يرى ذاته ويسمع كلامه كتبليغ جبريل عليه الصلاة والسّلام للنبيّ صلىاللهعليهوسلم في صورة معيّنة ، وإمّا بسماع كلام من معاينة كسماع موسى عليهالسلام كلام الله ، وإمّا بإلقاء في الرّوع كما ذكر عليه الصلاة والسّلام «إنّ روح القدس نفث في روعي» ، وإمّا بإلهام نحو : (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ)(٤) ، وإمّا بتسخير نحو قوله تعالى : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ)(٥) ، أو بمنام كقوله عليه الصلاة والسّلام : «انقطع الوحي وبقيت المبشّرات رؤيا المؤمن» (٦).
قال : فالإلهام والتّسخير والنّوم دلّ عليه قوله : (إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) ، وتبليغ جبريل في صورة معيّنة دلّ عليه قوله تعالى : (أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً) انتهى. يعني : أنّ الوحي يقع على أوجه أحدها : الوحي من الله لأنبيائه على لسان ملك أو من غير ملك ، وهذا الوحي الخاصّ لا يشرك الأنبياء فيه غيرهم من البشر. وقد وقع لنبيّنا محمد صلىاللهعليهوسلم على أوجه حسبما هو مذكور عنه عليه الصلاة والسّلام في الأحاديث المشهورة. وثانيها أن يكون إلهاما. وثالثها أن يكون إشارة. ورابعها أن يكون كتابة. قيل : خطّ لهم في الأرض : (سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا). وخامسها أن يكون بالقهر والتّسخير. وسادسها أن يكون أمرا : (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ)(٧) أي أمرتهم.
__________________
(١) ١١ / مريم : ١٩.
(٢) ١١٢ / الأنعام : ٦.
(٣) ٥١ / الشورى : ٤٢.
(٤) ٧ / القصص : ٢٨.
(٥) ٦٨ / النحل : ١٦.
(٦) رواه البخاري في الشهادات : ٥.
(٧) ١١١ / المائدة : ٥.