أنّ سائر الأعضاء يتّقى بها عن الوجه ، وهؤلاء لشدّة ما ينالهم يتّقون بما هو أشرف الأعضاء. يقال : اتّقى فلان بكذا : إذا جعله وقاية لنفسه. وقوله تعالى : (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)(١) أي لعلّكم أن تجعلوا ما أمركم الله به وقاية بينكم وبين النار. ومنه قول العرب : اتّقاه بحقّه ، أي جعله وقاية من المطالبة والمخاصمة. قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً)(٢). تقاة مصدر بمعنى الاتّقاء. والمعنى : إلا أن تتّقوا منهم تقيّة ، أي مخافة. يقال : اتّقاه يتّقيه اتّقاء وتقاة وتقية. وقد قرىء «تقيّة» موضع «تقاة» (٣). والتّقاة والتّقية اسمان بمعنى الاتّقاء. وقال ابن عرفة : أي يكون لهم عهد أو ذمام أو رحم فيخالفون على ذلك ويحاملون عليه. وقيل : تقاة جمع كغزاة ورماة. ولهذين القولين موضع هو أليق من هذا. وأمّا قوله : (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ)(٤) فهو مصدر ليس إلا ، ومعناه : اتّقوه على نحو ما أمركم ونهاكم. وليس فيه تكليف بما لا يطاق ، لكنّه قلّ من يتّقي الله حقّ تقاته ؛ فإنّ ذلك لا يوجد إلا في الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ومن لطف الله به ووفّقه. اللهمّ بجاه كتابك وكتبك ونبيّك وأنبيائك اجعلنا من الحزب الذين يتّقونك حقّ تقاتك.
وجمع التّقوى تقاوى نحو فتوى وفتاوى. وجمع التّقاة تقى نحو طلاة وطلى (٥). والمتّقي اسم فاعل من اتّقى يتّقي ، أي أفرط في الصيانة. والأصل موتقي ، فأبدلت الواو تاء ، وفي الحديث : «كنا إذا احمرّ البأس اتّقينا برسول الله صلىاللهعليهوسلم» (٦) أي جعلناه وقاية لنا من العذاب. ومنه قول عنترة (٧) : [من الكامل]
إذ يتّقون بي الأسنّة لم أخم |
|
عنها ، ولكنّي تضايق مقدمي |
أي يتّقون بي حرّ القتال.
__________________
(١) ٢١ / البقرة : ٢ ، وغيرها.
(٢) ٢٨ / آل عمران : ٣.
(٣) ذكر الفراء أن «تقاة» هي أكثر كلام العرب وقرأه القراء. وذكر عن الحسن ومجاهد أنهما قرأا «تقيّة» وكلّ صواب (معاني القرآن : ١ / ٢٠٥).
(٤) ١٠٢ / آل عمران : ٣.
(٥) وذكر ابن الأعرابي أن هذين الحرفين نادران.
(٦) النهاية : ٥ / ٢١٧.
(٧) الديوان : ١٥٣.