إن ذو لوثة لانا
قوله تعالى : (ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ)(١) أي ينقادون ويطيعون ، ولما قدّم أنّ جلودهم تقشعرّ ، أخبر أنها تلين بذهاب القشعريرة عنها ، وما أحسن تقابل هاتين الصّفتين هنا! فإنّ القشعريرة بالحسّ تجعل في البدن خشونة فإذا زالت حصلت له نعومة لانبساط الجلد وامتداد شعره ، وقال الراغب (٢) : قوله : (ثُمَّ تَلِينُ) الآية ، إشارة إلى إذعانهم للحقّ وقبولهم له بعد تأبيّهم منه وإنكارهم إيّاه. وليس في ذلك إشارة إلى بعض ما ذكر لا من اللفظ ولا من السّياق ولا من قرينة حالية ، فمن أين له ذلك؟ وإنّما ضمّ لين القلوب إلى لين الجلود ليخبر بتوافق الظاهر والباطن ، وهو غاية المراد. وفي الحديث : «كان إذا عرّس بليل توسّد لينة» (٣) قيل : هي كالمسورة (٤) أو الرّفادة ، سميت بذلك للينها ، وقد تقدّم أنّ اللّينة النخلة ، أصلها من ذوات الواو فهي تشارك هذه لفظا وتفارقها أصلا ومعنى.
__________________
(١) ٢٣ / الزمر : ٣٩.
(٢) المفردات : ٤٥٧.
(٣) النهاية : ٤ / ٢٨٦.
(٤) المسورة : متكأ من الجلد.