قوله تعالى : (وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى)(١) أي القربى إلى الخير والفضل ، فالمثلى تأنيث الأمثل ، والأمثل يعبّر به عن الأشبه بالأفضل والأقرب إلى الخير. وأماثل القوم : كناية عن خيارهم ، وعليه قوله تعالى : (إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً)(٢) أي الأقرب إلى الصّواب. وقال ابن عرفة في قوله : (بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى) أي يصرفان وجوه الناس الأماثل إليهما يعني يغلبان على الأشراف. قيل : والأماثل يجوز أن يكون جمع أمثل ، وأن يكون جمع أمثال ، وأمثال جمع مثل. والمثل : سيد القوم وخيارهم. وسأل أبو الهيثم رجلا فقال : ائتني بقومك ، فقال : إنّ قومي مثل ، فقال أبو الهيثم : يريد [أنهم] سادات ليس فوقهم أحد. وعلى هذا فمثل يكون للواحد والجمع. وكأنّ السادات لمّا كانوا في الغرابة بالنسبة إلى زيادة الخير أطلق عليهم لفظ المثل لذلك. وقال في قوله تعالى : (أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً) أي أرشدهم مذهبا. وقولهم : المريض أمثل حالا من أمس ، من ذلك ، أي أقرب إلى الصّحة وأدنى إلى الخير.
وفي الحديث : «نهى أن يمثّل بالدابّة وأن تؤكل الممثّل بها» (٣) كانوا ينصبون الدابة عرضا يرمون عليها ، فنهاهم عن ذلك وعن أكلها إذا فعل بها ذلك لأنها ميتة إذ [لا] يقدر على ذكاتها ، ويقال بهذا المعنى : مثل به يمثل مثولا (٤) فهو ماثل وممثول. وفي الحديث : «وأن تؤكل الممثول بها» (٥).
والمثلة : التّشويه بالقتل كقطع المذاكير وصلم الأذن وجدع الأنف ، وفي الحديث : «نهى عن المثلة» (٦). ولما رأى عليه الصلاة والسّلام عمّه حمزة وقد مثّلت به كفار قريش قال : «لأمثّلنّ بسبعين رجلا» فنزل قوله تعالى : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ)(٧) فصبر عليه الصلاة والسّلام واحتسب وفدى وعفا.
__________________
(١) ٦٣ / طه : ٢٠.
(٢) ١٠٤ / طه : ٢٠.
(٣) النهاية : ٤ / ٢٩٤ ، وذكر ابن الأثير نصف الحديث ، وتمام الحديث على أنه رواية أخرى. ورواية ابن ماجة (الذبائح ، ١٠): «.. يمثل بالبهائم ..».
(٤) وفي الأصل : مثلا.
(٥) الرواية الثانية للحديث السابق على رأي ابن الأثير فقط.
(٦) النهاية : ٤ / ٢٩٤ ، والبخاري ، مظالم ، ٣٠.
(٧) ١٢٦ / النحل : ١٦.