(وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِ) في قراءة من ضمّ الياء ، ولذلك عدل بعضهم إلى عبارة أخرى ؛ قال : وأكثر ما جاء الإمداد في المحبوب ، والمدّ في المكروه. ومعنى الآية أنّ إخوان الشياطين تمدّهم الشياطين. وعلى هذا الوجه فالخبر جار على غير من هو له. وقيل غير ذلك ، إلا أنّ ما ذكرته عليه العامة. وفي الآية أوجه أخر حرّرتها في «الدر».
قوله : (وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ)(١) أي يمهل لهم ويطيل لهم. قوله : (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَ)(٢) أي بسطه ، قوله : (فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا)(٣) أي يمهله ويطيل عمره ويوسع عليه استدراجا له ، وهذا لفظه أمر ومعناه خبر ، لأنّ الله تعالى لا يأمر نفسه ، ولكنّه إذا جاء الخبر بلفظ الأمر كان أوكد. وقيل : المعنى أنّ الله تعالى جعل جزاء ضلالته إمداده فيها.
قوله : (وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً)(٤) أي زيادة ، ومنه الحديث : «مداد كلماته» (٥) أي مثلها وعددها. وقيل : المداد مصدر كالمدد ؛ مددت الشيء مدّا ومدادا. وبنو فلان بنوا بيوتهم على مداد واحد وعران واحد ومثال واحد ، كلّه بمعنى.
وأصل المدّ الجرّ والطول ، ومنه المدّة للوقت الممتدّ ، ومدّة الخرج. ومدّ النهر ومدّه مثله. وقال عثمان رضي الله تعالى عنه لبعض عماله : «بلغني أنك تزوجت امرأة مديدة» (٦) يقول : طويلة. ورجل مديد : أي طويل. والطويل والمديد بحران معروفان ، وفي حديث آخر : «ينبعث منه ميزابان من الجنة مدادهما أنهار الجنة» (٧) أي : يمدّهما أنهارهما.
قوله تعالى : (لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ)(٨) كناية عن التطلّع لما في أيديهم من زخارف الدنيا وتقليب التجارات والأولاد وغير ذلك. والمراد أمته عليه الصلاة والسّلام ؛
__________________
(١) ١٥ / البقرة : ٢.
(٢) ٤٥ / الفرقان : ٢٥.
(٣) ٧٥ / مريم : ١٩.
(٤) ١٠٩ / الكهف : ١٨.
(٥) النهاية : ٤ / ٣٠٧.
(٦) المصدر السابق : ٤ / ٣٠٩.
(٧) النهاية : ٤ / ٣٠٧.
(٨) ٨٨ / الحجر : ١٥.