عليهالسلام في القرآن : ليس بخالق ولا مخلوق. لأنه لو جعله خالقا كان إلها ثانيا مع الله ، ولو جعله مخلوقا لوجب أن يكون الباري موجودا بلا كلام ثم خلق كلامه بعد ، وذلك لا يصح ؛ لأن صفات ذاته قديمة بقدم ذاته.
فإن قيل : فليس ثم إلا خالق أو مخلوق. قلنا : نعم ولكن خالق [قديم بصفات ذاته ومخلوق حادث] بصفات ذاته التي توجد بعد أن لم تكن ، وتعدم بعد أن كانت ، وصفات القديم لا تتصف بوجود بعد عدم ، ولا بالعدم بعد الوجود ، وإنما قلنا إن صفات ذاته ليست بأغيار له ، ولا هو غير صفاته ، ولا صفاته متغايرة في أنفسها ؛ لأن حدّ الغيرين ما يجوز مفارقة أحدهما الآخر ؛ إما بزمان أو بمكان ، وهذا يستحيل تصويره في الله تعالى وصفات ذاته. فافهم وتزيد التحقيق ، وفّقنا الله وإياك وجميع المسلمين آمين يا رب العالمين.
مسألة
فإن قيل : قد أثبتم أنه حي عالم قادر سميع بصير متكلم ، أفتقولون : إنه يغضب ويرضى ، ويحب ، ويبغض ، ويوالي ، ويعادي ، وأنه موصوف بذلك؟ قيل لهم : أجل ، ومعنى وصفه بذلك : أن غضبه على من غضب عليه ، ورضاه عمن رضي عنه ، وحبه لمن أحب ، وبغضه لمن أبغض ، وموالاته لمن والى ، وعداوته لمن عادى. أن المراد بجميع ذلك : إرادته إثابة من رضي الله عنه وأحبه وتولاه. وعقوبة من غضب عليه وأبغضه وعاداه ، لا غير.
ويدل على هذه الجملة : أنه يوصف بالغضب ، قوله تعالى : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ) [النّساء : ٩٣] وقوله تعالى : (وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٩)) [النّور : ٩] إلى غير ذلك من الآيات.
ويدل على أنه يوصف بالحب : قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) [البقرة : ٢٢٢] وقوله : (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) [المائدة : ٥٤] وقوله : (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران : ١٣٤] إلى غير ذلك.
ويدل على أنه يوالي : قوله تعالى : (وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) [آل عمران : ٦٨] وقوله : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) [المائدة : ٥٥] وقوله صلىاللهعليهوسلم : «يقول الله تعالى من آذى لي وليا» إلى غير ذلك من الآيات والأخبار.