والحسن ما وافق الأمر من الفعل ، والقبيح ما وافق النهي من الفعل ، وليس الحسن حسنا من قبل الصورة ، ولا القبيح قبيحا من قبل الصورة.
والدليل على الفصل الأول : أنه لا واجب عليه لأحد من الخليقة ، وأن حقيقة الواجب ما استوجب من وجب عليه الذم بتركه ، والرد تعالى عن الذم علوا كبيرا.
ويدل على صحة ذلك أيضا قوله تعالى : (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْ فَضْلِهِ) [الرّوم : ٤٥] فاعلم أن ذلك بفضله لا بالعمل. وأيضا قوله تعالى : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) [النّساء : ٨٣] وسئل النبي صلىاللهعليهوسلم «أيدخل أحد منا الجنة بعمله؟ فقال : لا. فقيل ولا أنت؟ فقال : ولا أنا ، إلا أن يتغمدني الله برحمته ، فقال له بعض الصحابة : ففيم العمل؟ فقال : اعملوا فكل ميسر لما خلق له» وإنما وعد الله سبحانه بالثواب وأوعد بالعقاب ، وقوله الحق ووعده الصدق ، فنصب الطاعات أمارة على الفوز بالدرجات ، والمعاصي أمارة على التردي في الهلكات ، وكل ذلك أمارة للخلق بعضهم على بعض ، لا له سبحانه وتعالى ؛ فإنه علم بالأشياء قبل كونها ، كما قال بعضهم : «تفرد الحق بعلم الغيوب فعلم ما كان وما يكون ، وما لا يكون أن لو كان كيف كان يكون».
والدليل على الفصل الثاني : وهو : أن الحسن ما وافق الأمر ، والقبيح ما خالف الأمر : أن لذة الجماع في الزوجة والأمة ، صورتها في الفرج [الحلال] كصورتها في الفرج الحرام ، إلا أن ذلك حسن في الملك بموافقة الشرع ، قبيح في غير ذلك بمخالفة الشرع. وكذا القتل : وصورته في القصاص كهي في القتل من غير قصاص ، إلا أن أحدهما حسن لمطابقة الشرع ، والآخر قبيح بمخالفة الشرع. وكذا الأكل في آخر يوم من شهر رمضان ، كصورة الأكل يوم الفطر ، إلا أن أحدهما حسن لموافقة الشرع ، والآخر قبيح لمخالفته ، وكذلك بالعكس : إمساك يوم من شهر رمضان ، كصورة الإمساك يوم الفطر ، إلا أنه في أحدهما حسن للموافقة ، وفي الآخر قبيح للمخالفة.
وجميع قواعد الشرع تدل على أن الحسن : ما حسّنه الشرع وجوّزه وسوّغه. والقبيح : ما قبّحه الشرع وحرّمه ، ومنع منه ، لا من حيث الصورة ، فتفهّم ذلك يخلصك من جميع ما يورده جهّال القدرية من شبههم التي تضل عقول العوام. فإذا ثبت هذا وتقرر : جاء منه أن الباري سبحانه وتعالى ليس فوقه آمر أمره ، ولا ناه نهاه ؛ حتى تتصف أفعاله تارة بالحسن لموافقة الأمر ، ولا بالقبح لمخالفة الأمر ، بل هو