مع جلالة قدره وعلو مكانه ما لا يجوز عليه سبحانه ، ولو لا أنه اعتقد جوازها لما سألها ، ولأنه تعالى علقها باستقرار الجبل ، ومن الجائز استقرار الجبل ، ويدل عليه أيضا : أنه موجود ، والموجود يصح أن يرى.
وأما الدليل على ثبوتها من طريق الكتاب والسنة : قوله تعالى : (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ) [الأحزاب : ٤٤] واللقاء إذا قرن بالتحية لا يقتضي إلا الرؤية. وأيضا قوله تعالى : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) [يونس : ٢٦] قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : «الزيادة النظر إلى وجهه الكريم» وقد ذكر مرفوعا عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم. وقوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (٢٢) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ (٢٣)) [القيامة : ٢٢ ، ٢٣] والمراد بقوله (ناضِرَةٌ) أنها مشرقة ، والمراد بقوله (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) أنها لربها رائية ؛ لأن النظر إذا عدى بكلمة إلى اقتضى الرؤية نصا ، كقوله تعالى : (فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ) [البقرة : ٢٥٩] وقوله تعالى : (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (١٧)) [الغاشية : ١٧] وسئل ابن عباس رضي الله عنهما عن قوله «وزيادة» قال : هي النظر إلى وجه الله تعالى بلا كيف. وأيضا : فإن الصحابة لما سألوه صلىاللهعليهوسلم هل نرى ربنا؟ فقال صلىاللهعليهوسلم : «ترون ربكم عيانا كما ترون القمر ليلة البدر لا تضارون في رؤيته». وروي «لا تضامون في رؤيته» وروي «لا يلحقكم ضرر ولا ضيم في رؤيته». ومعنى ذلك : أنه صلىاللهعليهوسلم شبّه الرؤية بالرؤية لا المرئي بالمرئي ؛ فكأنه صلىاللهعليهوسلم شبّه الرؤية بالرؤية ؛ وأن الرائي المعاين للقمر ليلة البدر أربع عشرة لا يشك في أن الذي يراه قمر. فكذلك الناظر إليه سبحانه وتعالى في الجنة لا يشك أن الذي يراه سبحانه وتعالى بلا تكييف ، ولا تشبيه ، ولا تحديد ، وهذا كما يقول القائل : أعرف صدقك كما أعرف النهار ، ورأيت زيدا كما رأيت الشمس. ويدل عليه أيضا قوله صلىاللهعليهوسلم : «إن الله يتجلى للخلق عامة ويتجلى لأبي بكر خاصة» (١).
مسألة
ويجب أن يعلم : أن الطاعة ليست بعلة الثواب ، ولا المعصية علة للعقاب ، ولا يجب لأحد على الله تعالى ، بل الثواب وما أنعم به على العبد فضل منه ، والعقاب عدل منه. ويجب على العبد ما أوجبه الله تعالى عليه ، ولا موجب ولا واجب على الله.
__________________
(١) لا يثبت ، والمصنف كثيرا ما يورد أحاديث ضعيفة (ز).