مسألة
ويجب أن يعلم : أن الاستطاعة للعبد تكون مع الفعل (١) لا يجوز تقديمها عليه ولا تأخيرها عنه ، كعلم الخلق وإدراكهم ، لا يجوز تقديم العلم على المعلوم ، ولا الإدراك ، على المدرك.
والدليل على ذلك : قوله تعالى : (وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً) [الكهف : ١٠١] يعني قبولا عند الدعوة. يعني : أنه لم يكن لهم استطاعة عند مفارقة الدعوة ، فيحصل معها القبول ، وأيضا قوله تعالى : (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) [الكهف : ٦٧] وقول إبراهيم عليهالسلام : (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ) [إبراهيم : ٤٠] فلو كانت الاستطاعة قبل الفعل لكان يقول : قد جعلتك مقيما ، ولم يكن لسؤاله معنى ؛ لأنه سئل في شيء قد أعطيه وهو قادر عليه. وأيضا قوله تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)) [الفاتحة : ٥] فلو كانت الاستطاعة قبل الفعل لم يكن للسؤال فيها معنى ، ولأن القدرة الحادثة لو تقدمت على الفعل لوجد الفعل بغير قدرة ؛ لأنها عرض ، والعرض لا يبقى ، ولا يصح أن يوجد بعد الفعل. وأيضا : لأنه يكون فاعلا من غير قدرة ، فلم يبق إلا أنها مع الفعل.
مسألة
ويجب أن يعلم : أن الرؤية جائزة عليه سبحانه وتعالى ، من حيث العقل ، مقطوع بها للمؤمنين في الآخرة ؛ تشريفا لهم وتفضلا ، لوعد الله تعالى لهم بذلك.
والدليل على جوازها من حيث العقل : سؤال موسى عليهالسلام ، حيث قال : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) [الأعراف : ١٤٣]. ويستحيل أن يسأل نبي من أنبياء الله تعالى
__________________
(١) ومبنى ذلك : تجدد الأعراض ، لكن دليل التجدد غير تام ، ومذهب أبي حنيفة : تقدم الاستطاعة على الفعل ؛ بمعنى سلامة الآلات الصالحة للفعل والترك ، والمعتزلة مع أبي حنيفة في هذا ، وحاول الفخر الجمع بين الرأيين : بأن القوة العضلية سابقة ، والقدرة المستجمعة لشرائط التأثير مع الفعل ، فلا ينافي أحدهما الآخر في نظره ، لأن مجرد القوة العضلية غير كاف في صدور الفعل ما لم يرده سبحانه اتفاقا ، وإرادته تعالى هي تركه العبد يمضي فيما اختاره ، كما ذكره عبد القاهر البغدادي ، فلا تكون في ذلك سمة جبر ، ما دام فعل العبد مستندا إلى اختياره نفسه ، والقوة العضلية هي مدار التكليف ، وهي صالحة للفعل والترك ، والقدرة المستجمعة لشروط التأثير غير صالحة إلا لأحدهما ، فيكون الوجوب في هذا من قبيل الضرورة بشرط المحمول ، فلا يكون من الضرورة في شيء (ز).