تضره سيئة مع إثبات التوحيد ، ولا يخلد في النار. قيل : وكان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه يقول في دعائه : اللهم إني أطعتك في أحب الأشياء إليك ـ وهو التوحيد ، وقول لا إله إلا الله ـ ولم أعصك في أبغض الأشياء إليك ـ وهو الشرك ـ فاغفر لي ما بين ذلك.
مسألة
ويجب أن يعلم : أن الإيمان على ضربين : إيمان قديم ، وإيمان محدث ، فالقديم إيمان الحق سبحانه وتعالى ؛ لأنه سمّى نفسه مؤمنا ، فقال : (السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ) [الحشر : ٢٣] وإيمانه سبحانه وتعالى تصديقه لنفسه ، لقوله : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) [آل عمران : ١٨] وكذلك تصديقه لأنبيائه بكلامه ، وكلامه قديم ، صفة من صفات ذاته.
والإيمان المحدث : إيمان الخلق ؛ لأن الله تعالى خلقه في قلوبهم ، بدليل قوله تعالى : (أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ) [المجادلة : ٢٢] وقوله تعالى : (وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ) [الحجرات : ٧] ولأن إيمان العبد صفة للعبد ، وصفة المخلوق مخلوقة ، كما أن صفة الخالق قديمة ، أعني صفة ذاته ، وأيضا : فإن حدّ القديم هو : الذي لا حد لوجوده ، ولا آخر لدوامه ، وحدّ المحدث : ما لم يكن ثم كان ، فكما لم يجز أن تكون صفة القديم محدثة ، فكذلك لا تكون صفة المحدث قديمة ، وكيف تكون صفة المحدث قديمة ، وهي عرض لا يستقل إلا بحامل ، ولا يمكن قيامها بنفسها ، لأنه يستحيل وجود حركة من غير متحرك. وسكون من غير ساكن ، وعلم من غير عالم. وسواد من غير أسود إلى غير ذلك من صفات المحدثين.
واعلم أن حقيقة الإيمان هو : التصديق. والدليل عليه قوله تعالى إخبارا عن إخوة يوسف عليهالسلام : (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا) [يوسف : ١٧] أي بمصدق لنا وأيضا : أن الرسول عليهالسلام لما أخبر عن كلام البقرة والذئب ، فقال : «أنا أومن به وأبو بكر وعمر» يريد أصدّق. أيضا : قول أهل اللغة : فلان يؤمن بالبعث والجنة والنار ؛ أي يصدّق به. وفلان لا يؤمن بعذاب الآخرة ، أي لا يصدق به.
واعلم : أن محل التصديق القلب ، وهو : أن يصدق القلب بأن الله إله واحد ، وأن الرسول حق ، وأن جميع ما جاء به الرسول حق ، وما يوجد من اللسان وهو الإقرار وما يوجد من الجوارح وهو العمل ، فإنما ذلك عبارة عما في القلب ، ودليل